فيما قد يشكل نقلة نوعية في هوية الصراع داخل أفغانستان، عاد فرع تنظيم في البلاد المعروف باسم "داعش خراسان" لشن عملية انتحارية داخل كابل، مستهدفا مناسبة اجتماعية لأحد قيادي حركة طالبان المسيطرة على البلاد، الأمر الذي ردت عليه الحركة بالهجوم على ما قالت إنه مخبأ للتنظيم في مقاطعة باروان شرق البلاد.
وكان مقاتلو الحركة تعرضوا لكمين من داعش في نفس المقاطعة بعد ساعات قليلة، مما يفتح الباب واسعا أمام إمكانية توسع العمليات والمواجهات بين الطرفين.
وكان تفجير كابل الذي وقع الأحد، الأول من نوعه منذ شهر أغسطس الماضي، حينما استهدف انتحاري محيط مطار كابل وقتئذ أثناء إجلاء القوات الأميركية مما أوقع عشرات الضحايا، لكن تكراره بعد عدد من محاولات الاغتيال التي نفذها التنظيم في مختلف المناطق ضد مقاتلي طالبان، وقدرته على الوصول إلى قلب العاصمة ولمناسبة خاصة بقادة الحركة، إنما يسلط الضوء على إمكانيات وقدرات التنظيم المتطرف داخل أفغانستان من ناحية، والقدرات العسكرية والاستخباراتية التي تملكها حركة طالبان للتعامل مع هذا التحدي من جهة أخرى.
وأشار المراقبون إلى "الصعوبات التي تعانيها الحركة في ظل هذه الأحداث"، حيث لم تتمكن حتى الآن من الحصول على اعتراف إقليمي وشرعية دولية، وكانت الاجتماعات الأخيرة للهيئة العامة للأمم المتحدة تعبيرا واضحا عن ذلك، وعدم الاعتراف هذا قد يحرمها قدرا كبيرا من المعلومات والمساعدات اللوجستية التي قد تساعدها في محاربة التنظيم المتطرف، الذي يخوض الحرب على شكل خلايا صغيرة ومتفرقة متصلة بشبكات عابرة للحدود.
كذلك تعاني أفغانستان راهنا وضعا اقتصاديا شديد البؤس، إذ تغيب الموارد الحكومية تقريبا، ومعظم المساعدات والهبات الدولية متوقفة تماما، فيما تم تجميد أموال البنك المركزي الأفغاني، وأوقفت مختلف التعاملات المالية والاقتصادية مع المؤسسات داخل أفغانستان.
فوق ذلك، فإن المقاطعتين الرئيسيتين اللتين ينتشر فيهما تنظيم "داعش خراسان" في أفغانستان، جلال آباد وباروان شرقي البلاد، تعاني فيهما حركة طالبان انخفاضا هائلا في الشرعية لأسباب عرقية وحساسيات تاريخية، تعود للحقبة الأولى من حكم الحركة في تسعينات القرن المنصرم، وهو أمر أعتبره المراقبون واحدا من التحديات السياسية التي على الحركة التعامل معها بغير السلاح فحسب، لأن المقاطعتين خاضعتان عسكريا لسلطة الحركة.
وقد أثار تطور قدرات داعش داخل أفغانستان مخاوف دولية شديدة، وهو أمر عبر عنه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز أثناء شهادته أمام الكونغرس الأميركي بالقول: "الانسحاب الأميركي قلل من القدرة على جمع المعلومات من داخل أفغانستان والتصرف على أساسها"، وهو أمر أعاد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية كريستوفر راي تأكيده في بعد عندما أوضح: "الجماعات الإرهابية الأجنبية داخل أفغانستان تتاح لها الفرصة لإعادة التشكيل والتخطيط، في فضاء يصعب علينا جمع المعلومات منه والعمل ضدها مباشرة".
هذا التموضع اعتبره الباحث والكاتب همبر سليم أداة ومنصة مناسبة لحركة طالبان لأن تنال تعاونا واعترافا دوليا، خصوصا من الولايات المتحدة.
وأردف سليم قائلا لموقع "سكاي نيوز عربية": "ثمة وساطة إقليمية كثيفة النشاط لخلق تعاون أولي بين الحركة والأجهزة الاستخباراتية الدولية، لتمد هذه الأخيرة طالبان بالمعلومات والتفاصيل اللوجستية، وتثبت الحركة جدارتها في الاستجابة لهذه المخاوف الدولية المتعلقة بنمو التنظيمات الإرهابية داخل أراضيها".
وتابع: "هذه الوساطة الإقليمية إنما يقصد بها أن تكون مفصولة عن الاعتراف السياسي أو الشروط الداخلية التي تحاول القوى الدولية فرضها على الحركة، بل أن تكون محصورة في الملف الأمني المتمثل في الحرب على الإرهاب، لتنجح دون عوائق".
وكانت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قد نشرت تحليلا موسعا، يشرح المصالح بعيدة المدى لحركة طالبان في ملف "محاربة الإرهاب الدولي"، مذكرا أن العقل المركزي للحركة يسعى لأن ينال مكانة الشريك في هذه الحرب العالمية.
وحسب التحليل، فإنه "بغض النظر عن رأي المرء في طالبان، لا يمكن إنكار أنه من بين أقوى ذكرياتهم كيف أسفرت عملية تنظيم القاعدة في 11 من سبتمبر عن أكبر كارثة عانت منها طالبان على الإطلاق، حيث تم طردهم من السلطة وعاشوا عقدين من الزمن يسعون فيهما بمرارة للعودة والسيطرة على أفغانستان بأكملها. لديهم كل الاهتمام في عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى، فضلا عن الاستمرار في كونهم العدو اللدود للفرع الأفغاني والآسيوي لداعش".