لا تتوقف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الأميركية والعالمية، عن إعادة نشر مقاطع فيديو شهيرة للرئيس الأميركي جو بايدن قبل 5 أسابيع فحسب من سقوط مختلف مناطق أفغانستان بيد حركة طالبان.
في تلك المقاطع المصورة، التي يظهر فيها الرئيس بحالة تفاؤل شديدة بشأن مستقبل الجيش والإدارة الحكومية في أفغانستان، على العكس تماما مما جرى على الأرض بعد تلك الأسابيع.
ويتساءل المتابعون عما إذا كان الرئيس الأميركي قد تعرض لتضليل من قبل الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، أم أن هذه الأخيرة لم تكن ذات مهنية وكفاءة مناسبة لتقدر الوضع داخل أفغانستان بشكل صحيح.
في واحدة من المقاطع الشهيرة، يقول بايدن: "لن يكون هناك ظرف في أفغانستان بحيث نرى مروحيات عسكرية أميركية تنقل موظفين أميركيين من فوق السفارة الأميركية في كابول"، في تذكير بأن الهزيمة الأميركية التي حدثت في فيتنام وعاصمتها سايغون عام 1975، لن تتكرر. لكن فقط بعد 4 أسابيع من ذلك التصريح، تكرر ذلك المشهد تفصيلا فوق السفارة الأميركية في كابول.
كذلك وعد الرئيس بألا تسيطر الحركة على كامل مساحة أفغانستان، أو أن تنهار السلطة داخل البلاد، وأيضا حدث عكس ما تصور.
الجيش الأميركي، وعن طريق القائد العام للقوات المسلحة، أرجع تقييماته الخاطئة بشأن الأوضاع الميدانية وتوازن القوى على الأرض في أفغانستان إلى "إخفاقات أجهزة الاستخبارات الأميركية، التي تلاقت مع إخفاقات صناع القرار في البلاد"، حسب تصريحه.
وتوقع أن يكون لهذا الإخفاق الاستخباراتي تأثير كبير بعيد المدى على الاستراتيجيات الأميركية، وعلى ثقة مختلف مؤسسات الدولة الأميركية بتقييمات أجهزة الاستخبارات.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر الثلاثاء، أجرت مقابلة مع مسؤول كبير في الاستخبارات الأميركية، الذي رفض الكشف عن أسمه، وسألته عن أسباب هذه المفاجئة التي حدثت في أفغانستان.
الضابط الاستخباراتي أجاب بأن أجهزته كانت تُرسل على الدوام تقارير تفيد بإمكانية "استيلاء طالبان على السلطة في البلاد"، لكنها كانت تعتقد بأن الجيش وأجهزة الأمن المحلية الأفغانية أكثر ترابطا وتماسكا على الأرض.
الباحث الأميركي المختص بالشؤون الأمنية دانيش روبار، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، المستويات والآليات التي تعتمدها الاستخبارات الأميركية لبناء أحكامها وتقييمها للأوضاع العسكرية والأمني في أفغانستان، والتي بسببها وقعت في هذا الالتباس.
وقال: "في بلدان مثل أفغانستان، كانت خاضعة عسكريا وإداريا للولايات المتحدة، فإن أجهزة الاستخبارات لا تمارس جهدا استخباراتيا وتجسسيا، بقدر سعيها لتحليل الكم الهائل من المعطيات المتوفرة بين يديها، وهي غالبا ما تكون مؤلفة من أرقام، أي مجرد معطيات كمية. ولأجل ذلك ظنت الاستخبارات الأميركية استحالة سقوط 300 ألف جندي ورجل أمن أفغاني أمام 60 ألف مقاتل من طالبان بهذه السرعة".
وأضاف روبار لموقع "سكاي نيوز عربية": "أما لتحليل التفاصيل العسكرية، وعلاقة مقاتلي طالبان مع البنى المحلية، فإن الاستخبارات الأميركية كانت تعتمد على ما يصدر من نظيرتها الأفغانية، وهذه الأخيرة كانت تتصرف كمؤسسة رسمية، وغالبا تعطي تقارير مطمئنة، للرئيس وللشركاء الأميركيين، هذا غير فسادها. على أن الأهم هو الارتباك في العلاقة بين الاستخبارات والمؤسسات السياسية في البلاد، حيث لأول مرة يكاد يُستحال العثور على أية استراتيجية لها".
المتابعون والمعلقون الأميركيون رصدوا مجموعة التوجهات المتشابهة في تقييمات الاستخبارات الأميركية بين أفغانستان والعراق، حيث "فشل المشروع الأميركي في كلا الدولتين بسبب ذلك".
وأعادت أغلب التعليقات حدوث ذلك إلى "سوء اهتمام وفهم هذه الأجهزة الاستخباراتية لثقافة وأنماط عيش وسلوك المجتمعات الداخلية في هذه البلدان، والتعامل معها وفهما بشكل مجرد ومطلق".
وأشارت تلك التعليقات إلى "استفادة طالبان من التصاقها وعلاقتها بالمجتمعات الأهلية والشعبية الأفغانية، خصوصا الأعيان والزعماء المحليين، في وقت كانت تقييمات الاستخبارات تعتقد بأن هؤلاء الزعماء المحليين من الشعب الأفغاني يشاركونها نفس التفكير بشأن الحركة والأوضاع السياسية في البلاد ومستقبلها، الأمر الذي حدث تفصيلا في العراق قبل 15 عاما، لكن الأجهزة الاستخباراتية تتصرف وفق دفتر شروط وعمل ثابت"، كما قالت إحدى المعلقات الأميركيات على موقع صحيفة "واشنطن بوست".