طرحت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية هذا السؤال على عدد من المسؤولين الحالين والسابقين والخبراء لتفسير السقوط المتسارع لقوات الجيش الأفغاني أمام حركة طالبان في الأيام الأخيرة.
وتخلص المجلة الأميركية وفق ما نقلت عن المسؤولين والخبراء إلى أن الفساد هو كلمة السر في هذا المشهد المأساوي، فقد أدى ذلك إلى انعدام الكفاءة والتسبب في هزائم الجيش الأفغاني أمام حركة طالبان.
وشنت الولايات المتحدة حربا على أفغانستان عام 2001، إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدينتي نيويورك وواشنطن، وتبناها تنظيم القاعدة الإرهابي.
وخلال أشهر معدودة، انهارت حركة طالبان التي كانت توفر ملاذا للقاعدة، وسيطرت القوات الأميركية على البلاد، وسرعان ما عمدت واشنطن إلى تسليح وتدريب جيش محلي بغية الاضطلاع بمهمة السيطرة على البلاد.
لكن هذا الجيش الذي صرفت عليه أميركا أكثر من 88 مليار دولار، تهاوى خلال أيام أمام حركة طالبان، خاصة مع اقتراب الانسحاب الأميركي من البلاد بحلول أواخر أغسطس الجاري.
وباتت حركة طالبان تسيطر على عواصم 21 ولاية من 34 تشكل أفغانستان، ويزحف مقاتلوها صوب العاصمة كابل.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه ينبغي على القوات الأفغانية أن تستفيد مما قدمته أميركا لها خلال 20 عاما مضت.
لكن لا يبدو أن الدعم كان بالفعل يصل إلى مستحقيه في الجيش الأفغاني.
الفساد يوازي طالبان
من وجهة نظر النائب الجمهوري، ستيفن لينش، فالفساد هو جوهر المشكلة، معتبرا أن الفساد يشكل خطرا كبيرا على الحكومة الأفغانية يوازي تهديد طالبان.
وقال لينش: "نحن نرى ذلك يحدث في الوقت الفعلي في ساحة المعركة اليوم".
وبحسب مراسلة "فورين بوليسي" في كابل، فإن وزارتي الداخلية والدفاع الأفغانيتين سيئتا الصيت بسبب غرقهما في الفساد.
ونقلت عن خبراء قولهم إن انعدام الكفاء واسع الانتشار في هاتين الوزارتين، فضلا عن الافتقار إلى القيادة، وطغيان الأنانية.
لا طعام ولا ذخيرة
وتضرب المراسلة الصحفية مثلا، فبعض عناصر الأمن الأفغاني لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور، في حين أن الذخيرة المهمة للغاية من أجل قتال طالبان تسرق كما الطعام قبل أن تصل إلى الجنود.
وينسحب حال الفساد وانعدام الكفاءة أيضا على سلاح الجو والقوات الخاصة، رغم أن البعض يعول عليهما في وقف زحف طالبان نحو العاصمة الأفغانية.
لكن في حقيقة الأمر القوة الجوية منهكة، ووصل الأمر بعدد من المشرعين الأفغان أن يتوسلوا صحفيين أجانب من أجل الضغط لاستجلاب دعم لسلاح الجو.
طائرات خارج الخدمة
وتقول "فورين بوليسي" إن مشرعين أفغان عقدوا اجتماع مع صحفيين غربيين قالوا فيه إن الأسطول الجوي المكون من 160 طائرة خارج الخدمة.
ويعود السبب في ذلك إلى مغادرة المتعاقدين الذين كانوا يشكلون عمليا العمود الفقري اللوجستي لسلاح الجو وبقية أفرع القوات المسلحة.
وقال النائب عن ولاية هرات غربي أفغانستان، نهيد فريد: " في حال لم تقلع تلك الطائرات، فلن يكون هناك استهداف جوي لقوات طالبان، مما يعني أن الحركة المتشددة ستصبح أقوى وستتمكن من اقتحام المدن، ما يخلق وضعا مرعبا".
وتقول المجلة الأميركية إن مغادرة المتعاقدين لم تحط باهتمام إعلامي يذكر، مقارنة بمغادرة القوات الأجنبية، رغم أنهم كانوا يؤدون دورا كبيرا في صيانة المعدات والتدريب وغير ذلك.
ولم يعد هناك من أوراق ضغط بيد الولايات المتحدة ضد حركة طالبان سوى التلويح بـ"عزل طالبان دوليا"، إن استولت على البلاد بالقوة.
وتبدو هذه الورقة في أحسن أحوالها ضعيفة، لكن لها بعض الجدوى مع سعي طالبان إلى تقديم نفسها على أنها الممثل الشرعي لأفغانستان.
وتقول المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، لوريل ميللر: "ليس من المستغرب أن تميل الولايات المتحدة نحو هذه بشدة (التهديد بالعزل) لأن هذا هو الذي تبقى ويمكن الاعتماد عليه".
وأضاف:"لكنني لا أتوقع أن تكون شكلاً قويا للغاية من أشكال الضغط في سياق تقاتل فيه طالبان أولا وقبل كل شيء من أجل السلطة".