ما بين استعداد إسرائيل لشن هجوم عسكري، وإعلان أميركا عن "رد جماعي" محتمل على إيران، كل الدلائل تشير إلى اقتراب المنطقة من لحظة انفجارية في مواجهة المُحتدمة بين إيران والقوى الغربية.
ويتساءل المراقبون والخبراء عن مديات تلك المواجهات، ومناطق اندلاعها والخسائر التي يُمكن أن تنتج عنها.
تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن الرد على إيران بسبب استهدافها لناقلة التجارية سيكون "ردا جماعيا"، ظهرت وكأنها تحضير للساحة الداخلية الأميركية لكل القرارات التي قد تقول بها حكومته، مذكرا إن سياسات إيران أنما تستهدف وتهدد الملاحة والتجارة والبحارة الأبرياء، الذين هم جزء من رحلات تجارية في المياه الإقليمية"، فهذه الملفات تُعتبر جزء من الأمن القومي الأميركي والمصالح القومية الأميركية بعيدة المدى.
ومن ناحيته، شدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على إن إسرائيل بدورها مستعدة لمواجهة إيران على أصعدة مختلفة، مشيرا في الوقت نفسه إلى ضرورة أن تعزز قدراتها في هذا المجال، لأن هذا الأمر يؤثر بشكل مباشر على مستقبلها، وهذا هو الخطاب الذي يُعتبر بمثابة قرار بالذهاب في المواجهة إلى آخرها.
إيران التي ظهرت وكأنها صارت تخشى من تزايد التهديدات وجديتها تجاهها، استعد القائم بأعمال السفارة البريطانية والسفير الروماني في طهران، وسلمتهم رسالة قالت الخارجية الإيرانية إنها ردٌ على "الاتهامات الواهية" التي توجه لإيران، وحذرت من أية مغامرة ضدها.
وحول شكل الضربة الأولى التي يُمكن أن توجهها إسرائيل وحلفاءها الدوليين إلى إسرائيل، يشرح الباحث الأمني ناظم غنامة من واشنطن في حديث مع سكاي نيوز عربية: "لن يكون هناك أية ضربة عسكرية أو مواجهة قبل أنجاز حدثين، فمن جهة هناك اجتماع هام لمجلس الأمن، ستحاول فيه الولايات المُتحدة جس نبض روسيا والصين وموقفهما من كامل المشهد، بعدها ثمة زيارة لوفد عسكري أمني إسرائيلي رفيع المستوى إلى الولايات المُتحدة.".
وأضاف: "وإذا جرى الأمران حسبما هو متوقع، فأن الضربة الأولى غالباً ستكون مجموعة هجمات على القواعد البحرية والسفن الحربية الإيرانية، ليكون العقاب من نفس جنس الفعلة التي أقدمت عليها إيران. وحسب ردة فعل إيران على تلك الضربة، ستتطور اشكال ومناطق المواجهة، لكن دائماً ليس ثمة من مقارنة بين القدرات العسكرية الإيرانية وما تملكه إسرائيل وحلفائها الغربيين".
رد الفعل الإيراني
مراقبون دوليون حذروا من ردة الفعل الإيرانية على أية ضربة عسكرية قد تمسها، مذكرين إن المؤشرات الأولية تدل على إن لبنان العراق، وربما سوريا، ستكون الساحات التي ستستخدم فيها إيران أذرعها السياسية والعسكرية للتعامل مع مثل هذا الحدث.
كاميران أموزي، الباحث الاستراتيجي في مركز الشرق الأوسط للدراسات، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية المؤشرات الأولية حدوث مثل ذلك الأمر: "كانت الصواريخ الثلاث التي أُطلقت من جنوب لبنان، وما تلتها من قصف إسرائيلي لمواقع عسكرية لحزب الله ليلة أمس، والبيانات المتلاحقة التي تصدرها فصائل الحشد الشعبي العراقية، تدل كلها على إن إيران تجهز تلكم الساحتين لاستخدامهما في المواجهة، لخلق ضغط على القوى الغربية لإيقاف المواجهة والدخول في مواجهة. كذلك حتى لا تخلق نقمة داخلية ضد نظامها الحاكم، فمستويات الدمار في الداخل الإيراني خلال أية مواجهة كُبرى، يتعني تحطيماً تاماً للبنية التحتية والعسكرية في البلاد، وتالياً إضعاف إيران لمستويات لن تكون قادرة على مواجهة مجتمعها الداخلي".
الخسائر المتوقعة في مثل هذه الموجهة لن تكون مُختصرة على إيران فحسب، فأي توجه من قِبل أذرع إيران في لبنان والعراق وحتى سوريا لتوجيه ضربات تجاه إسرائيل، لن يُقابل إلا بردة فعل إسرائيلي قوية، مدعومة بتأييد غربي تام، وسوف توجه ضربات حازمة للبنية التحتية في هذه الدول. الحرب التي جرت بين إسرائيل وحزب الله خلال العام 2006 كانت نموذجا واضحاً عن ذلك، فإسرائيل تستخدم تفوقها العسكري الجوي في توجيه ضربات عقابية من هذا النوع.
تقرير سابق لمركز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية ذكر إن أية مواجهة عسكرية بين إيران والدول الغربية ستكون ساحتها ثلاثة مواقع بذاتها، هي حسب تقرير المركز "الناقلات النفطية والتجارية في منطقة الخليج العربي، والمواقع الأساسية للمفاعلات النووية الإيرانية، إلى جانب الدول التي تملك إيران أذرعاً عسكرية فيها".
التقرير الذي حدد الخسائر المادية خلال الأسبوع الأول من أية مواجهة بحوالي ألف مليار دولار من الخسائر، توقع أن تؤدي نتائجها السياسية إلى تحولات سياسية دراماتيكية على مستوى المنطقة، ولعشرات السنوات القادمة.
لكن المراقبين أشاروا إلى أن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي سيدخل واحداً من مسارين متطرفين في علاقة إيران مع القوى الدولية خلال السنة الأولى من حُكمه.
فمن جهة قد يكون توجهه المُتشدد وعلاقته الحميمية مع المرشد الأعلى والمراكز العليا من قوات الحرس الثوري الإيراني قد يدفعه للاعتقاد إن مواجهة عسكرية محدودة قد تُنقذ النظام من مجموع أزماته التي في كل المجالات، لكن نفس السمات التي يتمتع بها رئيسي، ربما تمنحه الثقة والأهلية لعقد صفقة كُبرى مع الدول الغربية.