في وقت تجتاح فيه النيرات مئات الكيلومترات من الغابات في تركيا، لا سيما في المناطق الجبلية في السواحل الجنوبية الغربية من البلاد، والتي تُهدد بتغير شامل للمناخ في تركيا، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرسوم قانون مثيرا للجدل.
وأثار المرسوم جدلا، أن مضامينه تعد الأرضية القانونية والسياسية لبيع عشرات الآلاف من كيلومترات الغابات إلى القطاع الخاص ورجال الأعمال، وعلى رأسهم المقربون من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
وكانت مسألة التعرض للغابات، والتي تُعتبر ملكية عامة، من الخطوط الحمراء في البلاد، لم تخاطر أية قوة سياسية تركية من قِبل من تغيير حُرمة التعرض لها. لكن القانون الجديد، المعنون بـ"قانون تنشيط السياحة ووضعها القانوني"، المرقم بـ 7334، والذي نُشر في الجريدة الرسمية التركية، يُخرج الكثير من مناطق السواحل والغابات المحترقة من سلطة الوزارات السياسية، مثل الداخلية والغابات والدفاع.
ويقوم المرسوم بإخراج هذه المساحات إلى سُلطة وزارة الثقافة والسياحة، وهو ما يعني قابلية بيعها للقطاع الخاص والشركات الأجنبية، بدعوى الاستثمار السياحي.
القانون الجديد، ووفقاً للمادة 6 منه، يمنح سلطة إنشاء مرافق الإقامة في المتنزهات الوطنية، ويجعل وزارة الثقافة والسياحة بمثابة جهة وحيدة قادرة على منح الترخيص.
بالإضافة إلى ذلك، يفتح الباب لتحويل مناطق مثل المراعي والمرتفعات إلى منشآت سياحية، حيث تم نقل صلاحيات الترخيص لهذه المنشآت من وزارة النقل والبنية التحتية إلى وزارة الثقافة والسياحة.
المادة الأولى من القانون، تحتكر سلطة تحديد "فتح أراضي الغابات أمام المستثمرين السياحيين من خلال إدراجها في نطاق المصلحة العامة يُحدد الرئيس كجهة وحيدة لتحديد تلك المناطق، كذلك فأنه يتضمن الحق في منح جميع ممتلكات الدولة غير المنقولة في هذه المناطق التي "سيتم تحديد موقعها وحدودها والإعلان عنها بقرار الرئيس" في نطاق السياحة.
الحرمان من الطبيعة
القوى السياسية المعارضة في البلاد وجهت سيلاً من الانتقادات إلى الرئيس وحزب العدالة والتنمية، مذكرة بأن هذا القانون سيحرم عشرات الملايين من المواطنين في تركيا من الحضور والتمتع بأجمل السواحل والمنتزهات الوطنية المجانية، وهو قد يتقادم مستقبلاً ليمس المتاحف والمناطق السياحية العامة في البلاد، مثل القلاع وحتى البُحيرات الداخلية الصغيرة.
الناشط السياسي من حزب الشعب الجمهوري، آركان تورباي، والذي يُعتبر حزبه أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، رؤية حزبه للقانون الجديد، والتي تمت مناقشته أثناء اجتماع قيادي موسع للحزب "في وقت تستنفر فيه البلاد بكاملها، بما في ذلك ملايين المغتربين من المواطنين الأتراك في الخارج.
وقال الناشط إن القانون الجديد يُظهر السُلطة وكأنها لا تهتم بشيء سوى جمع المزيد من الأموال والثروات من خلال بيع واحدة من أكبر الممتلكات العامة حساسية. مشيرا إلى أن المناقصات التي تجري بين القطاعين الخاص والعام عادة ما تكون غير شفافة.
وأضاف أن هذه المناقصات تفوح منها روائح الفساد والمحسوبية، في العادة، فضلا عن إرضاء الشخصيات التابعة والمرتبطة بالحزب الحاكم ودائرة المقربين العائليين من زعيمه.
خيار الشارع
يضيف تورباي في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، "في الوقت الحالي، كُل البلاد مشغولة بمسألة إطفاء الحرائق، ولا يلتفت أحد لهذا القانون، لكنه من المستحيل أن يمر دون مواجهة سياسية كُبرى، بما في ذلك النزول إلى الشارع، فما سيتم بيعه هو ملك الناس وليس بملك أي طرف آخر".
الناشطون المدنيون والبيئيون في البلاد استنكروا اصدار هذا القانون، بينما جرى تحديد وقت منح التراخيص في أسبوعين فحسب، وهو وقت غير كاف بأي شكل لتقييم الأثر البيئي بعيد المدى الذي من الممكن أن يُحدثه المشروع المعروض على الوزارة.
ويستبعد القانون البلديات والوحدات الإدارية الصغيرة من إمكانية وسلطة الموافقة، علما بأنه يحرمها من الموارد التي كانت تسمح لها من قِبل بتنمية مناطقها، كما يمنعها من تحديد موقفها من بيئاتها القريبة.
الناشط البيئي مُراد آجابلي، شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، الموقف الرسمي للمنظمات البيئية والمدنية في البلاد من القانون الصادر حديثاً "مبدئياً ثمة توافق نهائي على رفض ما تم تشريعه بالمُطلق، وسنستفيد من الاحتقان الوطني المرتفع ضد السلطة وسياساتها البيئية في الفترة الأخيرة، خصوصاً وأنه مصحوب بكثير من القابلية لتجاوز الحساسيات القومية والطائفية والسياسية في البلاد، لصالح المسألة البيئة.
وأضاف أن الحرائق الحالية سترفع من حساسية ووعي المواطنين الأتراك للمسألة البيئية، "وهذه ستكون أدوات منظماتنا للعمل الجماعي. قبل سنوت حدثت محاولة لبيع حديقة "آيفالك" الشهيرة، التي كانت واحدة من أكبر وأجمل منتزهات البلاد، إلا أن النضال البيئي أوقف كل شيء وقتئذ، وفي الوقت الراهن، سيتكرر شيء من ذلك دون شك".