كانت أخبار إيران الأكثر حضوراً طوال الأسبوع الماضي في مختلف وكالات الأنباء العالمية، حيث تكثف الأنباء المتداولة حول إيران بأربعة مشاهد: فقد هاجمت طائرة مُسيرة إيرانية ناقلة نفط مدنية وسط المياه الدولية، ثم تلتها حوادث اختطاف لمجموعة من السُفن المدنية في الخليج العربي وبحر عُمان.
من الحدثين كانت وكالات الأنباء تنقل مراسيم فاخرة لافتتاح مُجسم شمعي للقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وسط العاصمة الإيرانية طهران، في نفس اليوم الذي تم فيه تنصيب إبراهيم رئيسي رسمياً كرئيس لإيران، حيث في مُقدمة المحتفلين بالحدث كان يجلس عدد من أبرز قادة فصائل العُنف في المنطقة.
مجموع ما تسعى إيران لتصديره والتعبير عنه من خلال هذه الأحداث هو محاولة الصِدام مع العالم وقواه السياسية وأعرافه ومؤسساته الدولية، التفصيل الذي عبر عنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالقول "تُظهر إيران يوماً بعد آخر إنها سُلطة غير مسؤولة عن التزامات الدول الطبيعية".
تعليقاً على هذا التموضع الإيراني، يشرح الباحث الإيراني عباس شارامي، المقيم في ألمانيا، في حديث مع سكاي نيوز عربية "ينزاح النظام الإيراني ليكون بالتقادم نظام حرب مُطلقة، فالهجوم على ناقلات النفط والمصالح المدنية أمر محظور ويتم مراعاته حتى في الحروب الكُبرى بين الدول، ولم تحدث مثل هذه السلوكيات إلا في أوقات استثنائية من التاريخ، مثلما فعل النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية. الهجوم على ناقلة النفط لا يعني فقط أن الأمر الخطير هو فقط حصول إيران على السلاح النووي، بل إن أية تقنية عسكرية متطورة قد تكون أداة خطيرة بيدها، مثل الطائرات المُسيرة".
يضيف شارامي الذي غادر إيران عقب أحداث الثورة الخضراء عام 2009 "مسألة السُفن، بين قصفها وخطفها في المياه الدولية، تعني إن سلوك إيران المُتدخل في شؤون دول الجوار، يمتد لأن يكون تدخلاً وتخريباً على مستوى العالم. فإذا مضت قضية الهجوم على السفينة في بحر العرب، وما تلاها من محاولات لخطف السُفن، ربما تعود إيران لما كانت تفعله في لبنان أثناء عقد الثمانينات، حينما كانت تختطف المدنيين الأجانب من بيروت عبر عصاباتها المنظمة، ثم تساوم دولهم عليهم سياسياً".
حجم الاهتمام السياسي والإعلامي الإيراني بتمثال القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني، والذي لا تكاد مدينة إيرانية تخلو منه منذ مقتله عبر قصف لطائرة عسكرية أميركية، يرسل رسالتين حربيتين، داخلية وخارجية، حسب الباحث رشوان عقيدي، الذي شرح ذلك في حديث مع سكاي نيوز عربية "هذا التعظيم الهائل لسليماني، الذي يصل لمستويات التبجيل، هو بمثابة رسالة للشعب الإيراني، تقول إن الأهم والمركزي والفاعل وصاحب السلطة في إيران هُم قادة الفيالق والفصائل والأجنحة المسلحة، الذين يمارسون أفعالاً غير مرئية ومن خارج الدستور، المدعومون من سُلطة الولي الفقيه والمُستجيبون لإرادته وتوجهاته السياسية والإيديولوجية. ففي وقت لا يجد فيه المواطنون الإيرانيون الماء الصالح للشرب، تُصرف أموالهم على حفلات تماثيل الشمع لسُليماني، وتُمحق إرادتهم ومطالبهم لصالح الانشغال بمثل تلك الاحتفالات".
يضيف عقيدي في حديثه مع سكاي نيوز عربية "الأمر نفسه يتعلق بالخارج، فتبجيل سليماني، الذي كان يقود مجموعة سياسات وأذرع وعمليات إيران التخريبية في دول الجوار والعديد من مناطق العالم، يعني حرفياً أنه أداة إيران الوحيدة للتفاعل مع شبكة العلاقات الدولية. أي العمليات العسكرية الخفية والمنظمة، التي تحولها إلى لغة وأسلوب للضغط وخلق النفوذ عبر تهديد الاستقرار، سواء في الجوار مباشرة، أو الدول الأبعاد عبر تحميلها أعباء موجات الهجرة وزيادة مستويات خطاب الكراهية".
لكن إيران، وإن كان دورها واضحاً في جميع هذه الأفعال والأدوات التي كانت تنهجها، إلا أنها كانت تمارس مزيجاً من إضفاء الغموض أو الإنكار الرسمي واللغة الدبلوماسية وادعاء السلمية. لكن حفلة تنصيب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وحيث تصدر مشهد المدعوين على مجموعة من قادة الفصائل والجماعات والقوى السياسية المتطرفة، مثل نائب أمين عام ميليشيا حزب الله ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقيادي من حركة الجهاد وقادة الحشد الشعبي العراقي، أنما أكدت ما كان واضحاً تماماً، وإن بشكل غير مُعلن.
فهؤلاء المتصدرون لمشهد الاحتفالية، هُم الحلفاء الفعليون والواضحون لسياسة إيران في الإقليم ومع العالم، أذرع إيران ورسائلها غير المُشفرة إلى كل الطامحين والمتطلعين والمؤمنين بإمكانية إعادة إيران لأن تكون دولة طبيعية في محيطها وضمن منظومة العلاقات الدولية.