إلى جانب المباحثات الرسمية التي تجريها مع حكومة أفغانستان وحركة طالبان على السواء، تعمل إيران سرا على تسليح قومية الهزارة الشيعية في البلاد، استعدادا لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي.
وتواترت التقارير التي تحدثت عن نشاط فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، لتشكيل فصائل مسلحة في أفغانستان من أبناء أقلية الهزارة.
ويتبع هؤلاء المذهب الشيعي ويتحدثون الفارسية، وسبق أن سلحتهم طهران في الماضي إبان الحروب الطويلة التي اندلعت في أفغانستان.
مستويان من العمل الإيراني
وتعمل طهران على مستويين في أفغاستان، فتقارير محلية تشير إلى أن "حي دشت برشي" في العاصمة الأفغانية كابل، الذي يقطنه أبناء أقلية الهزارة، تحول إلى ما يشبه المعسكر المغلق.
وهناك تم تشكيل العديد من الفصائل المسلحة مثل ميليشيات "فدائي بابا مزاري"، الذين تقدر أعدادهم بالآلاف، وتتولى الشبكات الدينية نقل المال لهم لشراء الأسلحة.
واعترفت إيران رسميا بعلاقتها بتلك الميليشيات، إذ بعد سلسلة من المواقف الرسمية التي صدرت عن الحكومة الشرعية الأفغانية بشأنها واعتبارها تدخلا إيرانيا في الشؤون الداخلية، صرح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قائلا إن "عددهم لا يتجاوز 5 آلاف مقاتل، وهم جزء من مجهود مكافحة الإرهاب، ومستعدون للتعاون مع الحكومة الأفغانية".
المؤشر الثاني كان عبر سلسلة الزيارات التي يقوم بها القائد العسكري لفيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قا آني، إلى بلدة البوكمال في أقصى شرقي سوريا، حيث تتمركز أعداد كبيرة من "فرقة فاطميون" المدعومة من إيران.
و"فرقة فاطميون" ميليشيات شكلتها طهران خلال عام 2012، لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد خلال الحرب، وهي مكونة من المهاجرين الأفغان الهزارة الذين استقروا في إيران اعتبارا من عام 1989، حينما اندلعت الحرب الأهلية الأفغانية.
المعلومات التي تسربت عن أسباب تلك الزيارات المتكررة للقائد الإيراني إلى منطقة البوكمال، أفادت أن إيران تتخذ كل الإجراءات اللازمة لنقل قسم كبير من مقاتلي هذه الفرقة من سوريا إلى أفغانستان، ليشرفوا على عمليات السيطرة الأولى وتدريب باقي المقاتلين المتطوعين في الفصائل التي تشكلها إيران في أفغانستان.
والهزارة جماعة عرقية أفغانية، يشغلون المناطق الوسطة والشمالية من أفغانستان القريبة من كابل، وتقدر أعدادهم بحوالى مليون نسمة، بينما تعتبر مناطقهم من أكثر مناطق أفغانستان خصوبة، وتقع بين مناطق هندوكوش وبابا ووادي هلمند، وكانوا تاريخيا ضحايا الصراع المرير بين الدول والقبائل الإيرانية والأفغانية والطاجيكية المحيطة بهم.
أهداف إيران
وتبدو أعداد أبناء قومية الهزارة صغيرة مقارنة بباقي القوميات في البلاد، لكن ذلك لن يكون ذا أهمية في حال اندلاع حرب مترامية الأطراف، حسبما يذكر الباحث الأفغاني راميان بهاراي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية".
ويقول بهاراي: "إذا اندلعت الحرب الأهلية، فإن الأعداد لن تكون مهمة، لأن الجهد العسكري الرئيسي للطرفين المتصارعين، أي الحكومة وحركة طالبان، سيذهب في المواجهات بينهما، مما سيخفف أي عبء متوقع على التنظيمات العسكرية الموالية لإيران".
وأضاف: "الأمر الآخر يتعلق بمحصلة ما تطمح إليه إيران من خلال هذه الفصائل المسلحة، فهي لا تبتغي في أي حال الانتصار أو الوصول للسلطة، لكن فقط شغل مساحات من أفغانستان وتحويلها إلى مناطق نفوذ إيرانية مغلقة، حيث إن مناطق الهزارة تقدر بحوالى 200 ألف كيلومتر مربع".
وتعود علاقة النظام الإيراني بأبناء أقلية الهزارة واستخدامهم في حروبها العسكرية إلى أوائل الثمانينات من القرن المنصرم، مستغلا ظرفهم الاقتصادية والحياتية القاسية في أفغانستان، إلى جانب استغلال الصراعات الطائفية في تلك المنطقة.
وخلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) شكلت إيران العشرات من الفصائل المسلحة من أبناء هذه المجموعة، ودفعتهم إلى جبهات القتال كمتطوعين انتحاريين.
وتشير سجلات الحرب الإيرانية إلى وجود أكثر من 13 ألف قتيل منهم خلال سنوات هذه الحرب.
الباحث المختص في الشؤون الإيرانية أمير توماج، نشر مقالة تحليلية مطولة في مجلة "نيو أميركا"، أورد فيها توقعاته بشأن سياسة إيران في أفغانستان.
وقال: "من المرجح أن يستمر نهج إيران في التعامل مع حركة طالبان ذات الغالبية البشتونية تحت إشراف الرئيس المتشدد الجديد إبراهيم رئيسي، على المدى القريب على الأقل. بعد ذلك، فطهران ستفعل كل شيء لتبقى في أفغانستان".