شكلت اللقطات التي نقلتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن اعتقال عدد من عناصر تنظيم طالبان للممثل الكوميدي الأفغاني نزار محمد، المعروف باسم "خاشا"، والذي عُثر على جثته مذبوحاً بعد ساعات قليلة، (شكلت) صدمة في الشارع الأفغاني.
حادثة الممثل الأفغاني أضيفت لقرابة مائة حادثة جنائية أخرى، مارستها الحركة خلال الأيام الماضية، إذ انتقمت وصفت مواطنين أفغان مخالفين لتوجهاتها العقائدية والاجتماعية والسلوكية المُتطرفة، بحيث شكلت تلك الأحداث صدمة للرأي العام الأفغاني والعالمي، ودفعت نحو تساؤلات عدة حول السلوك والمنهج الحقيقي الذي تسلكه الحركة، والمصير الذي سيلقاه الشعب الأفغاني في حال سيطرته على كامل البلاد.
وكانت حركة طالبان قد دخلت في مفاوضات سياسية ثنائية، مع الولايات المُتحدة بغية مناقشة انسحاب القوات الأميركي من أفغانستان، ومع الحكومة الأفغانية الشرعية، للتوصل إلى حل سياسي توافقي لإدارة أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي. حيث أوحت بأنها ستتصرف كسلطة وتيار سياسي مسؤول، مختلف عما انتهجته من سياسات وسلوكيات خلال سنوات حُكمها القاسية لأفغانستان (1996-2001).
كذلك كانت الحركة قد خاضت جولات من المفاوضات السياسية مع دول الجوار الأفغاني، تعهدت خلالها باتخاذ سياسات داخلية طبيعية، لا تتحول أفغانستان معها إلى دولة مستقطبة للتطرف والأفعال المنافية لمنظومة حقوق الإنسان، عبر التعامل "الرؤوف" مع المواطنين الأفغان، حسب تصريح رسمي من الناطق باسم الحركة "ذبيح الله مجاهد".
المنظمات الحقوقية الأفغانية، التي تنشر تقارير يومية بشكل دوري حول انتهاكات حركة طالبان في المناطق التي تُسيطر عليها، قالت إن مجموع ما ارتكبته الحركة حتى الآن، والذي تمكنت أذرع هذه المنظمات من التوصل والتأكد منه بشكل تام، أنما يصل لأكثر من مائة ضحية، أغلبها في منطقة قندهار وسط البلاد، التي تُعتبر المنبع الذي انطلقت منه الحركة، وسيطرت على مناطق واسعة منه منذ قرابة شهر.
المنظمات الأفغانية، وعلى رأسها اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، قالت إن مسلحي طالبان قتلوا مدنيين في منطقة "سبين بولداك" التابعة لإقليم قندهار، بدعوى موالاتهم للحكومة الرسمية. حيث أضافت وزارة الداخلية الأفغانية في بيان رسمي لتقرير المنظمة قولها بأن المسلحين عقب ذلك هاجموا مساكن الضحيتين، ونهبوا ما فيها من مواد، وأضرموا النار فيه فيما بعد.
وتقول التقارير الواردة من الإقليم الأفغاني، إن حادثة المدنيين اللذين نفذت الحركة عملية إعدامهما أمام أعين العامة، تضاف لعشرات العمليات الأخرى التي تنفذها الحركة، دون أن تعترف بما تمارسه، حسب نقلت وكالة "تولو" للأنباء عن السكان المحليين الذين فروا من المنطقة إلى العاصمة كابول، مؤكدين بأن أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والفنانين وذوي المهن العملية يشعرون برعب من مقاتلي الحركة المنتشرين في العديد من مناطق الولاية.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية الأفغانية روح الله أحمدزاي، أصدر بياناً رسمياً، تلقت "سكاي نيوز عربية" نسخة منه، اتهم الحركة فيه بـ" التخطيط الاستراتيجي لتدمير البنية التحتية للمناطق التي تسطير عليها، بالذات مؤسسات التعليم والكهرباء والمؤسسات الأمنية والبيروقراطية، وذلك بغية السيطرة بعيدة المدى على تلك المناطق، قطع السكان عن العالم الخارجي".
حركة طالبان التي صرح المتحدث باسمها "ذبيح الله مجاهد" بأن بعض الأحداث التي تتوارد عن سلوكيات مقاتلي الحركة بحق المدنيين أنما هي "محل تحقيق" من قِبل الهيئات القضائية الشرعية المرتبطة بالحركة.
وهو الأمر الذي نفاه السكان المحليون في أكثر من منطقة من أفغانستان، الذين تواصلت معهم سكاي نيوز عربية، حيث ذكروا بأفراد أجهزة الأمن المحلية وموظفي المستشفيات الذين خطفتهم الحركة من قرية "حاجي بابك" من منطقة "شكار دارا" شمال شرق البلاد، حيث أنه بالرغم من استجداء عائلاتهم وإعلانهم عدم وجود أية علاقة بين المختطفين وأية جهة سياسية أفغانية، وتواصلهم مع قيادات الحركة في تلك المنطقة، إلا السكان المحليين عثروا بعد أيام قليلة على جثثهم مقطوعة الرأس وعلى أجسادهم آثر تعذيب مروعة، لينتشر الرعب في كافة أنحاء تلك المنطقة.
الكاتب الأفغاني والناشط في اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان برهامي جولبكان شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية الفئات المدنية المُستهدفة ومرامي الحركة من اتخاذ مثل هذه الأعمال "تستهدف الحركة أبناء الطبقة الفاعلة والمنظمة من المجتمع، التي تستشعر بإمكانية تأسيسهم لقوى مجتمعية معترضة على أعمال الحركة. فضباط الجيش وأعضاء القوى السياسية الرئيسية وزعماء العشائر غير المبايعين للحركة، بالإضافة للأطباء والفنانين والكتاب وكبار موظفي المؤسسات البيروقراطية، هُم أكثر المستهدفين من قِبل الحركة، بالذات الذين لهم رأي وسطوة على الرأي العام في البيئات المحلية".
ويضيف جولبكان في حديثه مع سكاي نيوز عربية "تريد الحركة إحداث رُعب عمومي في مناطق سيطرتها، فهذه المرحلة لا تشبه التسعينات، والمجتمعات الأفغانية المحلية أكثر تواصل مع العالم، وتدرك حقوقها تماماً. كذلك تريد الحركة إفراغ المجتمعات المحلية من عدد من الطبقات والفاعلين، عبر دفعهم نحو الفرار والهجرة من مناطقهم المحلية، وتالياً إعادة تشكيل الحياة العامة في هذه المناطق حسب معاييرها ورؤيتها الدينية المتطرفة، ودون أية مقاومة من السكان المحليين".