سلمت شركة "داسو" الفرنسية لصناعة الطيران العسكري، أول طائرة "رافال" حربية إلى اليونان، ضمن العقد الموقع بين الطرفين، والقاضي بحصول أثينا على 18 طائرة حربية فرنسية من هذا الطراز، الأمر الذي قد يؤثر على توازن القوة العسكرية بين اليونان و"غريمتها" تركيا، خصوصا في مجال القوة الجوية.
وكانت الصفقة الفرنسية اليونانية التي وقعت في شهر يناير الماضي، جزء من الدعم العسكري والسياسي الذي أقدمت عليه دول الاتحاد الأوروبي لصالح اليونان وقتئذ، حينما كانت أزمة الدولتين في ذروتها.
ونص الاتفاق على أن تسلم الشركة الفرنسية 18 طائرة حربية من نوع "رافال" إلى وزارة الدفاع اليونانية، في مدة أقصاها شهر سبتمبر من العام 2023، مقابل مبلغ قدره 2.5 مليار يورو.
وحسب سجل المبيعات الخاصة بالشركة المُصنعة، فإن اليونان ستكون أولى دول المنظومة الأوربية الحاصلة على هذه الطائرة، كما أنها ستكون إلى جانب مصر والإمارات ثالث بلدان منطقة شرق المتوسط في الحصول على هذا السلاح النوعي.
وتقول المواصفات الفنية للطائرة المذكورة، أنها متعددة المهام، وتحمل مجموعة واسعة من الأسلحة الهجومية، وتقوم بمهام الاعتراض والاستطلاع الجوي وتوجيه الضربات إلى أكثر النقاط تحصينا، بالإضافة إلى مواجهة السفن الحربية المصفحة، وتنفيذ مهام الردع النووي.
وأعلنت الشركة الفرنسية في السنوات الماضية عن إدخال مميزات جديدة لطائرتها مثل رادارات من نوع RB وآليات المسح الإلكتروني للمنطقة المُهاجمة ومستشعرات أمامية متطورة.
مهام الطائرة
وحدد وزير الدفاع اليوناني نيكولاوس بانابوتوبولوس خلال حفل الاستلام المهام الاستراتيجية التي ستقدمها الطائرة الجديدة لتوجهات اليونان وعلاقاتها الإقليمية قائلا: "إن المهمة الرئيسية للطائرات ستكون ضمان وحدة أراضي اليونان في سياق عدم الاستقرار المحتمل، تحديدا من جانب تركيا"، والتي دعاها إلى "الامتثال لقواعد القانون الدولي".
وجاءت تصريحات الوزير اليوناني عقب يومين من الزيارة المثيرة للجدل والتي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للشطر الشمالي لجزيرة قبرص، المحتل من قِبل الجيش التركي، حيث أعلن إعادة فتح مدينة فاروشا اليونانية الخالية من سكانها اليونانيين المهجرين، وأعلن صراحة سعي أنقرة إلى تثبيت مبدأ "في قبرص شعبان ودولتان"، وهو الأمر الذي ترفضه اليونان تماما، وتعتبره مسا بأمنها القومي.
واعتبر المجتمع الدولي خطوات أردوغان تجاوزا لـ"الخطوط الحمر" في المسألة القبرصية، ودفعا نحو مواجهة سياسية وعسكرية مع دولة من المنظومة الأوربية، هي اليونان.
الباحث التركي المختص بالشؤون العسكرية سردار بوزروك، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" التأثيرات السياسية والعسكرية لحصول اليونان على هذا النوع الجديد من الطائرات الفرنسية قائلا: "غير المواصفات الفنية لطائرات الرافال الفرنسية، فإن حصول اليونان عليها يعني أولا حصول أثينا على مصادر تسليح متنوعة، أميركية وأوروبية وحتى صينية، وهي ميزة غير متوفرة راهنا لتركيا، خصوصا بعد إخراج أنقرة من الكثير من برامج التسليح الجوي الأميركية، بالذات الخاصة بطائرات إف 35، ورفض الدول الأوروبية تسليحها بمنظوماتها العسكرية المتطورة. الأمر الآخر يتعلق بالالتزامات العسكرية لفرنسا، وعموم الدول الأوروبية تجاه الأمن اليوناني بعد حصولها على هذه الطائرات، لأن ذلك صار جزء من الحرص على مكانة الصناعة العسكرية الفرنسية، الساعية لشغل ومزاحمة نظيرتها الأميركية والروسية، على مستوى العالم".
سباق تسلح
وتتسم العلاقة بين اليونان وتركيا بالتوتر، حيث كاد البلدان أن يدخلا في حرب سنة 1996.
واستمر "سباق التسلح" بين أنقرة وأثينا، حيث يسود اعتقاد استراتيجي لدى الدولتين بأن التوفق العسكري لأي منهما سيفرض سطوة سياسية واقتصادية على الطرف الآخر.
وكانت تركيا تقليديا تتفوق عسكريا على اليونان، حيث كانت تشغل المرتبة الثامنة من بين أقوى الجيوش على مستوى العالم، فيما كانت مرتبة اليونان دون ذلك بكثير، المرتبة 28 عالميا.
الأمر نفسه كان ينطبق على مستويات الإعداد والتسليح والتكنولوجيا العسكرية، حيث كانت تركيا، ولعلاقاتها ودورها ضمن حلف الناتو، تؤمن تفوقا على اليونان.
لكن ولأسباب سياسية استراتيجية، فإن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عزفت عن دعم تركيا عسكريا، مقابل زخم استثنائي لمؤازرة اليونان سياسيا وعسكريا، وذلك عبر اتفاقات عسكرية وخطط للتسليح وإنشاء قواعد عسكرية على الأراضي اليونانية، مقابل فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على أنقرة، ومطالبتها بالالتزام بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن في كل القضايا العالقة بينها واليونان، في قبرص وثروات شرق المتوسط وحقوق الأقلية اليونانية ضمن تركيا.