في الجامع المركزي لبلدة أسندر التابعة لولاية هكاري في أقصى جنوب شرق تركيا، على الحدود مع إيران، يجلس أخشيد آرامي مع زوجته وأثنين من أبناءه، الذي يروي حكاية رحلة نزوحهم الأخيرة من أفغانستان إلى تركيا، لأكثر من خمسة عشر يومياً، حتى أوصلوهم المهربون إلى بلدة "سرو" الإيرانية قبل يومين، ليعبروا بعدها الحدود التركية.
يروي آرامي في حديث مع "سكاي نيوز عربية" تفاصيل رحلته المُضنية: "كُنت أملك محلاً تجارياً في السوق المركزية لمدينة هرات غرب أفغانستان، بالقرب من منارة المدينة الشهيرة. بعد أن اقتربت المعارك من المدينة، ساومت مهرباً محلياً كي يوصلني مع عائلتي إلى مدينة مشهد الإيرانية، مقابل حصوله على منزلي في أطراف المدينة، فيما أوصلنا مهرب تركي يعمل مع شبكة عملاء إيرانيين إلى هنا مقابل عشرين ألف دولار، هي محصلة ما كنا نملكه بعد بيع المحل التجاري. لقد رمونا بالقرب من الشارع العام في مدينة سرو، وطلبوا منا السير بموازاة الأوتوستراد حتى الحدود التركية، مذكرين إيانا بأن الحراس الأتراك لن يعترضوا طريقنا، وهذا ما حدث".
حالة أخشيد وعائلته تشبه حالة قرابة ربع مليون مواطن أفغاني، تقول إحصاءات الأمم المتحدة إنهم فروا من أفغانستان طوال الشهرين الماضيين، وإن أغلبيتهم المطلقة تتجه إلى إيران ليصلوا إلى تركيا، ومنها لمحاولة الوصول إلى الدول الأوروبية.
ويؤكد "مركز دراسات اللجوء والهجرة" التركي في بيان خاص أن متوسط أعداد المهاجرين الذين يدخلون الأراضي التركية من إيران يُقدر بحوال ألف مهاجر يومياً، أكثر من نصفهم من الأفغان.
وتشكل مدينتا إسطنبول وأزمير التركيتان مكانين لتجمع عشرات الآلاف من المهاجرين الأفغان، حتى أن بعض الأحياء في المدينتين يشكل فيها الأفغان أغلبية سكانية، حيث تنتشر فيها المحال التجارية والمطاعم ومكاتب التأجير العقاري وشبكات التهريب غير النظامية إلى دولتي بلغاريا واليونان، من دون أن تسعى الأجهزة الأمنية والقضائية التركية على اعتراضها.
ويقول الباحث التركي في الشؤون الداخلية أوندر دمير، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "من الدوافع الجاذبة للمهاجرين الأفغان لأن يستقروا في تركيا قربها الجغرافي من الدول الأوروبية، خصوصاً من الجزر اليونانية التي يُستحال ضبطها وفصلها عن البر التركي، سيما وأن المهاجرين الأفغان متأكدون أن تركيا لن تعيدهم إلى بلادهم، لأنها تعتبرهم مصدراً لتدفق الأموال على اقتصادها المحلي. فأكثر من مليوني مهاجر أفغاني مروا على الأراضي التركية طوال السنوات العشرة الأخيرة، واستغرقت إقامتهم في تركيا حوالي ثلاث سنوات، ما يعني أن المليارات تدفقت على تركيا جراء تحويلاتهم المالية ومصاريفهم اليومية، فالمهاجرون الأفغان كانوا بمثابة سُياح دائمين طوال هذه السنوات".
وبالرغم من التحذيرات التي وجهتها المنظمات المدنية والإنسانية التركية بشأن تفاقم أعداد المهاجرين الأفغان خلال الشهور الأربعة القادمة، ترافقاً مع تغيرات الأوضاع الأمنية داخل أفغانستان، التي من المتوقع أن تصل للذروة خلال فصل الشتاء القادم، إلا أن السلطات التركية لم تُعلن أية إجراءات خاصة بالموضوع، لا من حيث بناء المخيمات ومناطق الاحتجاز الخاصة، ولا حتى تحديد الإجراءات القانونية والحقوقية التي سوف تتعامل عبرها مع هذه الموجة من اللاجئين الأفغان على أراضيها.
تشرح الباحثة والناشطة التركية في مؤسسة "كوفنلي" ياسمينا حيدرات في حديث مع سكاي نيوز عربية استراتيجية النظام التركي الحاكم في ذلك الاتجاه بالقول: "تعتقد السُلطة التركية الحاكمة بأن ملف المهجرين الأفغان سينضم إلى مساحة أداة مساومة أخرى في يدها، خصوصاً لو ناهز عددهم المليون لاجئ، فدول الاتحاد الأوروبي، وحتى الولايات المُتحدة نفسها، مُجبرة على الدخول في حوار وتنازلات متبادلة مع تركيا، لضبط حدودها وخلق نوع من الوضع القانوني لهؤلاء الأفغان. حيث ستكون المطالبات التركية سياسية إقليمية ومالية، وطبعاً ميلاً لطلب غض النظر عن سلوكيات النظام التركي. شيء مضاعف مما تفعله بشأن اللاجئين السوريين منذ سنوات".
تضيف الباحثة شارحة المؤشرات المتوفرة لدى مركزها "معلوماتنا تقول إن الأغلبية المُطلقة من المهاجرين الأفغان خلال سنة كاملة قادمة ستكون من الطبقات الوسطى والعُليا من المجتمع الأفغاني، ممن يحال أن يعيشوا في ظلال حُكم حركة طالبان، والثروات الشخصية لهؤلاء هي دوماً دون المائة ألف دولار، مما يعني أن العائلات الأفغانية تملك فقط موارد مالية تكفيهم لقرابة ستة أشهر فحسب، وبعد ذلك ستكون دون موارد قط، وتالياً أقرب لشبكات ارتكاب المخالفات الجنائية، وطبعاً النزول للشارع في مراحل لاحقة، وهي أمور ليست ضمن حسابات النظام والحزب الحاكم في تركيا. فالمهاجرون الأفغان هُم مُجرد أداة للاستخدام السياسي بالنسبة لها".