في وقت يكاد القتال بين القوات الحكومية الأفغانية ومقاتلي حركة طالبان أن يعُم مختلف المناطق الأفغانية، فإن الحركة دعت سكان المدن الأفغانية إلى الاستسلام دون قتال، لتجنب التخريب وإسالة الدماء، كما قال المسؤول السياسي البارز في الحركة أمير خان متقي في تغريدة نشرها على حسابه بتويتر.
ودعا متقي سكان المدن الأفغانية إلى التواصل مع الحركة بغية تحقيق "اتفاق منطقي" بينهم.
ودفع الفيديو الذي نشرته شبكة "سي إن إن" الأميركية عن إقدام مقاتلي الحركة على إعدام أكثر من عشرين مقاتلا من قوات الكوماندوس الحكومية، بعد استسلامهم، والذي نفته "طالبان" واعتبرته دعاية تضليلية، المراقبين للسؤال عن المحصلة التي ستكون عليه علاقة الحركة مع المجتمع والحكومة الأفغانية، والطريقة التي ستختار بها الحركة شكل علاقاتها الإقليمية والدولية.
إقليميا، حددت الحركة موقفها من سعي القوات التركية للبقاء في أفغانستان و"حماية" مطار كابول الدولي، إذ قالت في بيان رسمي "سيثير مشاعر الاستياء والعداء داخل بلادنا تجاه المسؤولين الأتراك وسيضر بالعلاقات الثنائية"، مدينا القرار التركي "بأشد العبارات"، ومذكرة بأن ذلك يتنافى مع التوافقات التي توصلت إليها الحركة عبر تواصلها مع المسؤولين الأتراك.
وفي المقابل، فإن وكالات الأنباء نقلت عن ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم "طالبان"، قوله إن الحركة ستسعى لبناء علاقات عادية مع الولايات المتحدة، بطريقة تلبي شروط الشرعية ومصالح أفغانستان.
كذلك أضاف مجاهد بأن الحركة تريد بناء علاقات سياسية واقتصادية مع كل دول الجوار الأفغاني، ودون أن تكون علاقة الحركة مع طرف إقليمي على حساب طرف آخر، ودون السماح بأن يستغل أي طرف أراضي أفغانستان للتدخل في شؤون دول الجوار أو أي منطقة أخرى من العالم.
توسع ميداني
على الأرض، وسعت الحركة من سيطرتها على مناطق عديدة في أفغانستان، حتى أن التقديرات أشارت إلى أن "طالبان" باتت تسيطر على قرابة 85 في المئة من مساحة البلاد، بعدما أعلنت الحركة صباح الخميس سيطرة قواتها على عدد من المديريات ومراكز التفتيش في ولاية باميان، كما أعلنت الأربعاء، توسعها في ولايات قندهار وهلمند ونمروز، والسعي للاقتراب من العاصمة كابول، بعدما أعلن ناجي نازاري عضو مجلس إقليم بدخشان أن "طالبان" سيطرت على منطقة شرطية في عاصمة الإقليم الواقع بشمال شرق البلاد، حيث العاصمة كابول.
ودفع إعلان "طالبان" الأخير بالمتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" جون كيربي للتصريح بأنه "من الواضح أن لطالبان طموح في الوصول إلى الحكم، إلا أن سيطرتها على كامل أفغانستان ليس أمرا حتميا"، مذكرا بأن القيادة المركزية الأميركية، وعن طريق قائدها كينيث ماكينزي، الذي تولى قيادة القوات الأميركية في أفغانستان، "ما تزال تملك صلاحيات شن الغارات الجوية ضد حركة طالبان".
استراتيجية الحركة
الكاتب والباحث الأفغاني أمروز نادري، المختص في شؤون الحركات الأفغانية والمقيم في الولايات المتحدة، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" استراتيجية الحركة، قائلا: "تمزج الحركة راهنا بين شن الهجمات المتواصلة على القوات الحكومية ونقاط تمركزها بشكل مكثف، مستخدمة أعلى درجات الجاهزية لقواتها، في وقت تريد فيه سياسيا عدم إفزاع الدول الإقليمية والقوى الدولية، كي لا تعود للتوافق على كبح الحركة ومنعها من متابعة استراتيجيتها داخل البلاد".
وأضاف نادري: "ستشكل معارك المدن الكبرى في البلاد مؤشرا على إمكانية قبول المجتمع الدولي بالحركة كعضو في المجتمع الدولي السيادي أم كمجرد تنظيم عسكري إيديولوجي".
وتابع قائلا: "لا يسعى أي طرف إقليمي أو دولي راهنا لأن يقطع علاقته مع حركة طالبان، كي لا تنزاح للنظير الإقليمي سياسيا، وهذا منبع قوة الحركة سياسيا وميدانيا في الوقت الراهن، لكن قدرة الحركة على عدم الاستقطاب مستقبلا أمر مشكوك به تماما، لتواضع قدراته الذاتية، حتى لو سيطر على أفغانستان كاملة، مقابل سطوة الأطراف الإقليمية المحيطة بأفغانستان".
وفيما يتعلق بالموقف الرسمي، فقد نقلت "الأسوشيتد برس" تصريحات مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله مهيب الذي حضر عملية تسليم نقاط عسكرية من قبل القوات الأميركية، والتي قال فيها: "إن انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ترك فراغا أدى إلى تقطع السبل بقوات الأمن الوطني الأفغانية في ساحة المعركة دون إعداد إمداد، ونفاد الطعام والذخيرة في بعض الأحيان. إن أكبر تأثير للانسحاب هو عدم وجود طائرات لإعادة إمداد القوات. في الوقت الحالي، تعيد الحكومة تجميع صفوفها لاستعادة مناطق استراتيجية والدفاع عن مدنها ضد تقدم طالبان".
ووجهت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، مثل العديد من الصحف ومراكز الدراسات الأميركية، انتقادات للإدارة الأميركية للنتيجة التي وصلت إليها أفغانستان راهنا.
فمثلا كتب ماكس بوت مقالة رأي في الصحيفة، قال فيها: "لا يمكن للجيش الأميركي أن ينجو من اللوم في هذا الفشل الذريع. فشلت القوات الأميركية في بناء جيش أفغاني وقوة شرطة كفؤة، أو في قول الحقيقة حول مدى سوء الحرب. كان الأمر يتعلق بخداع الذات أكثر من الكذب الواعي. مع روح الحماسة والقدرة على الفعل، يميل الجيش الأميركي بطبيعته إلى تسليط الضوء على دليل "التقدم"، مهما كان خياليا، بدلا من التركيز على المشاكل. على مدى 20 عاما، قمنا بضخ مليارات لا حصر لها في أفغانستان وعقدنا صفقات بغيضة مع أمراء الحرب الفاسدين. في هذه العملية، قمنا بتمكين المحتالين المسيئين مع جعل الجيش الأفغاني يعتمد على دعمنا. كان الانسحاب المفاجئ للقوة الجوية الأميركية بمثابة ضربة مدمرة، ليس فقط عسكريا ولكن أيضا نفسيا، لأننا نسحب أيضا المتعاقدين الذين يحافظون على تحليق الطائرات الأفغانية. من خلال المغادرة، فإننا لا نمنح شعب أفغانستان الفرصة ليقرر كيف يريدون أن يُحكموا، كما قال الرئيس جو بايدن".