أعفى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، يوم السبت، وزيرة الخارجية، أرانشا غونزاليس لايا، من منصبها، في خطوة يرجح متابعون أن تكون من تبعات الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت، مؤخرا، بين مدريد والرباط.
وتم تعيين سفير إسبانيا في فرنسا، خوسيه مانويل، وهو سفير محنك خدم بعدة دول، في منصب وزير الخارجية خلفا لأرانشا غونزاليس لايا.
وتأججت الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والرباط، على خلفية دخول زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي إلى الأراضي الإسبانية قصد العلاج، واستخدامه جواز سفر مزورا.
وكان المغرب قد عبر بشكل رسمي عن أسفه لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها إبراهيم غالي، المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
في تعليقه على الموضوع، قال الإعلامي والمحلل السياسي، مصطفى الطوسة، إن إبعاد وزيرة الخارجية الاسبانية يشكل مؤشرا قويا تريد من خلاله السلطات الإسبانية تعبيد الطريق نحو تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية.
وأضاف الطوسة أن مدريد أقدمت على هذا التغيير، لأن أرانشا جرى النظر إليها بمثابة "عائق مستدام" أمام أي عودة للعلاقات المغربية الإسبانية إلى مجراها الطبيعي.
وتم النظر إلى أرانشا بمثابة طرف في الأزمة الدبلوماسية، واتهمها المغرب بالتواطؤ في دخول إبراهيم غالي إلى إسبانيا.
إقالة متوقعة
لكن إقالة أرانشا ليست وليدة اليوم، لأن التوقعات برحيلها عن وزارة الخارجية تناسلت طيلة الأيام الماضية، على خلفية ما اعتبر "تدبيرا سيئا" للأزمة الدبلوماسية مع المغرب.
وفي 23 من يونيو الماضي، قالت صحيفة "بوث بوبولي" "vozpopuli" الإسبانية، إن التعديل الحكومي يهدف إلى إعطاء دفعة للسياسة الخارجية واستعادة مناخ الثقة مع المغرب.
وأشارت الصحيفة آنذاك، إلى أن عددا من الدبلوماسيين الإسبان يشيرون إلى أن اسمين محتملين لتعويض لايا؛ وهما وزير الفلاحة والصيد البحري والتغذية الإسباني، لويس بلاناس، والسفير الإسباني في فرنسا خوسيه مانويل ألباريس.
كما توقعت الصحيفة أن يغير سانشيز وزراء آخرين مثل وزير الصناعة، كي لا يعطي الانطباع بأن المغرب خرج منتصرا من الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وأشارت الصحيفة في نفس المقال، إلى أن رئيس الحكومة يمكن أن يعين لايا وزيرة للتجارة بسبب خبرتها في التجارة الدولية لأكثر من 15 عاما.
وينظر طوسة إلى هذه الإقالة بمثابة اعتراف من طرف رئيس الحكومة الاسبانية بأن وزيرة خارجيته أصبحت عبئا يهدد المصالح الحيوية لإسبانيا، عبر استمرار الأزمة مع الرباط، التي لا شك أنها وضعت شروطا لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع مدريد؛ من بينها تغيير المُحاور الاسباني.
ويرى الباحث أن إسبانيا أقدمت على هذا التغيير، لأن المغرب بدا متشبثا بوضع النقاط على الحروف في حادثة دخول زعيم البوليساريو إلى إسبانيا.
أطراف محددة
وكانت وزيرة الخارجية المُقالة أرانشا لايا محط أنظار الدبلوماسية المغربية، منذ بداية الأزمة، وجرى النظر إليها بمثابة طرف يؤجج الأزمة.
ورفضت الوزيرة الإسبانية المُقالة، في حوار سابق مع الموقع الإخباري الإسباني “الكوريو”، وصف استقبال بلادها للمدعو غالي بالخطأ، حينها، وقالت إن بلادها بادرت لمساعدة شخص كان في حالة صحية حرجة، كما أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، بحسب تعبيرها.
وبخصوص موقف بلادها من قضية الصحراء المغربية، ذكرت أرانشا كونزاليس ليا، أن مسؤولية إسبانيا في الملف هي العمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة، لإيجاد حل نهائي للنزاع (…) والذي يحتاج إلى تدخل من المجتمع الدولي".
في المنحى نفسه، كانت سفيرة المغرب في مدريد، كريمة بنيعيش، قد قالت في تصريح صحفي، في خضم التوتر بين البلدين، إن المتسبب في هذه الأزمة هي "أطراف إسبانية محددة"، مشيرةً بشكل واضح لبعض وزراء الحزب الإشتراكي، بيدرو سانشيز و أرانشا لايا، حسب تقارير صحفية.
وانتقدت السفيرة المغربية، آنذاك، بشدة تصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا لايا، بخصوص العلاقات الثنائية، معتبرةً بأنها قدمت للرأي العام الإسباني معلومات مغلوطة حول الأسباب الحقيقية للأزمة.
بنيعيش أضافت أن "بعض الجهات" في حكومة إسبانيا تعرف جيداً أن القضية الوطنية الأولى للمغرب، الصحراء، هي قضية مقدسة للمغاربة، لكنها تواصل معاكسة المملكة.
البرلمان الأوروبي
وأدى دخول البرلمان الأوروبي على خط الأزمة بين المغرب وإسبانيا إلى ارتفاع حدة التوتر بين البلدين، حيث اتهم البرلمان الأوروبي المغرب باستخدامه هجرة القصر "أداة للضغط السياسي"، وهي اتهامات رفضتها الرباط جملة وتفصيلا.
وأوضحت الديبلوماسية المغربية، بعد صدور هذه التصريحات، أن "محاولات إضفاء الطابع الأوروبي على هذه الأزمة هي بدون جدوى ولا تغير بأي حال من الأحوال طبيعتها الثنائية الصرفة وأسبابها العميقة والمسؤولية الثابتة لإسبانيا عن اندلاعها".
وأضافت الخارجية المغربية في نفس البيان أن "توظيف البرلمان الأوروبي في هذه الأزمة له نتائج عكسية. بعيدا عن المساهمة في إيجاد حل، فهو يندرج ضمن منطق المزايدة السياسية قصيرة النظر. هذه المناورة، التي تهدف إلى تحويل النقاش عن الأسباب العميقة للأزمة، لا تنطلي على أحد".
وبالنسبة للمغرب، فإن "القرار يتنافى مع السجل النموذجي للمغرب فيما يتعلق بالتعاون في مجال الهجرة مع الاتحاد الأوروبي. هؤلاء الذين يحاولون انتقاد المغرب في هذا المجال هم أنفسهم الذين يستفيدون في الواقع من نتائج ملموسة ويومية للتعاون على الميدان".
انتصار دبلوماسي
ووصف المحلل السياسي مصطفى الطوسة في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، مغادرة وزيرة الخارجية الإسبانية بـ"الانتصار الدبلوماسي".
وقال إن "خروج أرانشا غونزاليس لايا بهذه الطريقة وفي هذه الظروف، يعتبر انتصارا سياسيا للمغرب وهزيمة واضحة المعالم للأوساط المعادية للمغرب والمتعاطفة مع مصالح أعداء وحدة الأراضي المغربية".
وأشار المتحدث إلى أن "المغرب سيحاول استغلال هذه النافذة الجديدة التي ستفتحها إقالة غونزاليس لايا عبر فتح صفحة جديدة مع إسبانيا يكون أساسها احترام الثوابت المغربية التي قد تبدأ عبر اعتراف رسمي من إسبانيا بمغربية الصحراء على خطى النموذج الأميركي، لطي نهائي لصفحة هذا النزاع المفتعل".
كما تم استدعاء السفير الإسباني بالرباط إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج لإبلاغه بهذا الموقف وطلب التفسيرات اللازمة بشأن موقف حكومته.