ماتزال تداعيات القرار الإسباني القاضي باستقبال زعيم ميليشيات "البوليساريو" إبراهيم غالي، نهاية أبريل الماضي، تلقي بظلالها على العلاقات المغربية الإسبانية، وكذلك على حكومة بيدرو سانشيز.
وتعرضت الحكومة لموجة من الانتقادات الحادة التي وجهها إليه خصومه في الحزب الشعبي الإسباني، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، بسبب "تدبيره السيئ للأزمة مع الرباط".
وتسبب استقبال غالي في حدوث انقسام حاد داخل مجلس الوزراء من شأنه أن يؤثر على جوهر الحقائب الوزارية التي توجد في أيدي الحزب الاشتراكي، خصوصا فيما بين وزارتي الداخلية والخارجية، فيما تشير مصادر إعلامية إسبانية إلى أن الوزارتين كانتا قد تعارضتا منذ البداية حول طريقة دخول وخروج الانفصالي غالي.
خلاف الداخلية والخارجية
وتناقلت وسائل إعلام إسبانية خلال الأيام الماضية، ما وصفته بالخلاف الشديد بين وزيرة الخارجية أرانشا لايا غونزاليس، التي قادت عملية إدخال غالي إلى إسبانيا بهوية مزورة، ووزير الداخلية فرناندو كراندي مارلاسكا، خصوصا أن الخبراء الأمنيين الإسبان يتوقعون أن يتراجع تعاون الرباط معهم بعد الحادثة التي أقدمت عليها أرانشا، فيما تعول مدريد كثير على ذلك التعاون بحسب ذات المصادر.
وكات الخارجية المغربية قد عددت في بيان سابق لها الزخم الذي شهده التعاون الأمني المغربي الإسباني خلال السنوات الماضية، مما يجعل مخاوف الداخلية الإسبانية من انهيار التعاون في هذا الصدد مشروعة، ويرجح اتهامات الخارجية الإسبانية للداخلية بتسريب خبر نقل غالي إلى مستشفى في لوغرونيو، بعد رفضه في ألمانيا.
وفيما كانت الداخلية قد حذرت سانشيز قبل الإقدام على إدخال إبراهيم غالي بهوية مزورة، منبهة إلى خطورة ذلك على العلاقات مع الرباط، أوضحت مصادر إسبانية أن وزيرة الخارجية بعثت بتطمينات إلى باقي مكونات الجهاز التنفيذي بكون العملية ستبقى سرية، قبل أن تفشل في ذلك وينتشر خبر دخول غالي إلى إسبانيا كالنار في الهشيم.
ماذا لو أقيلت لايا؟
يقول الباحث المهتم بالشأن الإسباني نجيب الصومعي، إن "ثمة مطالب من الحزب الشعبي الإسباني المعارض بإسقاط وزيرة الخارجية"، مشيرا إلى أن "حدوث تلك الإقالة سيكون اعترافا رسيما بأن إسبانيا قد اقترفت خطأ كبيرا باستضافتها للانفصالي إبراهيم غالي"، معتبرا أن "هشاشة حكومة سانشيز والخطأ الذي أقدمت عليها في العلاقة مع المغرب، شجع خصومها من أجل السعي لإطاحتها، رغم أنها لا تزال لديها أغلبية تؤهلها للاستمرار في الحكم".
وأوضح المتحدث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "اللجوء إلى تعديل حكومي في هذه الفترة، سيحول الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف للأعمال، وهو ما سيجعل وضع سانشيز صعبا، خصوصا أن الانتخابات على الأبواب"، معتبرا أن "غاية خصوم سانشيز هو أن يذهب في اتجاه الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها".
وأكد الصومعي أن "الأزمة مع المغرب خلقت أزمة سياسية داخل التحالف الحاكم"، مشيرا إلى أن "الخلاف الذي نشب بين الحكومة ومعارضيها نابع من اعتبار مفاده أن الحكومة ارتكبت خطأ سياسيا في وقت غير سليم"، ونبه إلى أن "سانشيز لو كان مستندا إلى حكومة قوية لكان استمر في التصعيد مع المغرب".
خلخلة المشهد الحزبي الإسباني
ومن جانب آخر، قال الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية محمد الروين، إن "الأزمة مع المغرب وتداعياتها أدت إلى حدوث تحول عميق داخل بنية العقل السياسي والحزبي الإسباني"، مشيرا إلى "ظهور بعض الأصوات الحكيمة خصصا داخل الحزب الشعبي، التي تطالب بإعادة النظر بخصوص الموقف الإسباني من الصحراء المغربية".
وأشار الروين في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "التصريحات التي أعلنها وزير الخارجية السابق، وزعيم الحزب الشعبي (ماركايو)، الذي دعا صراحة إلى إعادة النظر بخصوص مغربية الصحراء، خصوصا في ظل السياق الجيوسياسي الجديد، تؤكد هذا التحول الذي أحدثته الأزمة مع الرباط".
وشدد المتحدث على أن "العقل السياسي والحزبي الإسباني تعرض لخلخلة كبيرة جراء الأحداث الأخيرة"، داعيا المغرب إلى "الاستمرار في الضغط لكي يذهب ذلك التأثير إلى المآلات المرجوة".