بفوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بحصوله على أكثر من ثلثي أصوات الناخبين، وتفوقه على أقرب منافسيه بأكثر من 5 أضعاف من مجموع الأصوات، تكون السلطة الحاكمة في إيران قد وضعت نظراءها الإقليميين والدوليين أمام مشهد إيراني جديد، أساسه النزوح التام لكافة مؤسسات السلطة الحاكمة لتكون متطابقة تماما، ومحافظة، وذات خطاب واستراتيجية تصعيدية.
وكان المراقبون للمشهد السياسية الإيراني، من حيث علاقاته وأشكال تدخله في القضايا الإقليمية والدولية، يعتبرون ان دائرة الرئاسة في إيران، عادة ما تكون أكثر عقلانية وموضوعية في تعاملها مع القوى الإقليمية والدولي، وإن بشكل نسبي تماما، مقارنة برأس السلطة الحاكمة المتمثل بالمُرشد الإيراني، وكبار قادة ومؤسسات الأجهزة العسكرية، التي كانت متشددة على الدوام.
واعتبر المراقبون أن جهاز الرئاسة وسلطاتها ولأسباب مختلفة، كانت تقليديا قوة ضغط على الجانب المتشدد من السلطة، لضبط أنواع جموحه السياسي والأمني، وفي علاقته مع القوى الدولية.
وعن تأثير انتخاب رئيسي على المحادثات النووية التي تجريها القوى الكبرى مع إيران، أوضح الباحث الإيراني مهاتاد نظير، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، الخطورة التي تهدد تلك المحادثات قائلا: "حتى في ظل رئيس كان محسوبا على التيار الإصلاحي مثل حسن روحاني، فإن مفاوضات فيينا بعد أكثر من 10 أسابيع من التداول، لم تحقق تقدما إلا في بعض الجوانب الفنية الهامشية، دون أية رؤية توافقية في المسائل العالقة بين الطرفين".
وأضاف نظير: "بوصول رئيسي إلى منصب الرئاسة، فإن أول ما سيفعله سيكون إعادة تشكيل الوفد الإيراني المشارك في تلك المفاوضات، من حيث تشكيلته كأعضاء، وكذلك من حيث مضامين توجهاته من خلال هذه المفاوضات، ليثبت ولاءه وارتباطه بالمُرشد الأعلى من طرف، وليخلق تخالفا مستحبا بالنسبة له عن الرئيس الحالي حسن روحاني. هذه التغيرات التي ستكون دافعا لأن تفشل تلك المفاوضات بأسرع وقت منظور، وبالتالي أن يتجه الملف النووي الإيراني ليدخل المرحلة الراديكالية من المواجهة".
قضايا إقليمية عالقة
مصير شبيه بذاك الذي يهدد المفاوضات النووية، قد يطال المفاوضات غير المعلنة بين إيران والقوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، حيث قالت تسريبات شبه مؤكدة بأن العراق يستضيف تلك المحادثات منذ أسابيع، بغية محاولة حل القضايا الإقليمية العالقة عبر التفاوض.
المركز الإيراني للدراسات السياسية "المعارض" كان قد نشر قبل أسبوع تقريرا مفصلا عن السلوكيات السياسية والأمنية المتوقعة في حال فوز رئيسي، مذكرا بأن المرحلة الأولى من حكمه ربما تكون الأكثر اندفاعا.
وجاء في التقرير: "سيكون التفاوض الإيراني مع الإقليم في الشهور الأولى من فوز المرشح رئيسي عبر بعث رسائل أمنية وعسكرية معكرة للأجواء التي كانت تميل للتفاهم. ستصل تلك الرسائل من اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وربما من مناطق أخرى. إذ ستعتقد السلطة الجديدة بأن القوى والعنف هو ما سيجبر القوى الإقليمية على التفاوض مع إيران والخضوع لها، وليس شبكة المصالح والأدوار المتبادلة والمتكاملة بين مختلف مكونات المنطقة. وهذه نظرية تقليدية تتداولها الأوساط الإيرانية المحافظة منذ سنوات كثيرة، وتشكل بنية وعيها لنمط العلاقات الإقليمية".
موقف الاتحاد الأوروبي
قوى الاتحاد الأوروبي ستكون الأكثر حرجا من هذا المشهد الحديث، فعبر علاقاتها المتميزة مع الحكومة والرئاسة الإيرانية، كانت السياسة الخارجية الأوروبية تعتقد بأنها تستطيع أن تنتشل إيران من قطبي الصراع من حولها، العلاقات الصدامية مع الولايات المتحدة في كافة الملفات العالقة بين الطرفين، أو ميول روسيا لتضخيم المنظومة العسكرية والأمنية الإيراني، والتحالف غير المعلن بين الطرفين.
الباحث الألماني في شؤون الشرق الأوسط يوهان سولزبرغ شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، الديناميكية الجديدة لانتخاب رئيسي بالنسبة للاتحاد الأوربي قائلا: "بالنسبة للثلاثة الأكثر تصالحية من المنظومة الأوروبية، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، فإن خسارة آخر منصب كان يميل لأن يكون إصلاحيا ومتفهما بموضوعية للعلاقات الدولية تعي نهاية مرحلة المحاولة الأوروبية ضبط العلاقة مع إيران، وقبل ذلك مسا خطيرا بالمصالح الأوروبية مع إيران واستقراره".
وأضاف "صحيح سيسعى الرئيس المنتخب للظهور بطريقة توحي بأنه وتشكيلته الحكومية والسلطوية سيكونون متفهمين ومتعاونين مع ذلك الجهد، لكن بنية هذا الرئيس وتاريخه السياسي وما يُعد له من مهام مستقبلية، تقف عائقا أمام ذلك تماما، والقوى الأوربية لا تملك أدوات كافية لتغيير توجهاته، وإحداث تغير من شكل علاقته مع الجناح الراديكالي من السلطة، ليتغير من الالتصاق والتفاهم التام، إلى نوع من المواجهة العلنية".
وبيّن سولزبرغ: "السياسة الخارجية الأوربية خلال الشهور الأولى من حكم هذا الرئيس ستظهر وكأنها تتعامل مع منصبه وسلطاته لا مع شخصه وتاريخه السياسي، إلى أن تصل لمرحلة تعلن فيها (غسل يدها) من أي إمكانية لانتشال إيران من التصعيد المتوقع".
ويرى المعلقون في وسائل الإعلام التركية أن المرشح الفائز في إيران، ربما يطابق الرئيس رجب طيب أردوغان في طموحاته السياسية وتفكيره بالملفات الداخلية، وشكل العلاقة مع العالم، وإن كان أقل براغماتية وخبرة من أردوغان، لكن ذلك التطابق الشخصي ربما يكون أهم منصة لأن يتعاون الطرفان بشكل كثيف خلال المرحلة المنظورة.