مر المرشحون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، أثناء المناظرة التي جمعتهم، مرور الكرام على ملف الشعوب غير الفارسية، التي تشكل نحو نصف سكان إيران البالغ 82 مليون نسمة.
وتخوض إيران في الـ18 من الشهر الجاري انتخابات رئاسية، بعد نهاية الولايتين المتتاليتين للرئيس حسن روحاني، ويعتقد على نطاق واسع أن نتائجها محسومة سلفا للمرشح إبراهيم رئيسي، الذي ينتمي وبقية المرشحون الآخرون إلى القومية الفارسية.
ولم تتطرق الدعاية الانتخابية للمرشحين الرئاسيين إلى معاناة هذه الشعوب من التمييز والاضطهاد بسبب هوياتهم القومية، ويتوزع التمييز على استخدام اللغة والميزانية المخصصة لمناطقهم وفرص العمل وغيره ذلك.
واتسم الحديث المحدود عن الشعوب غير الفارسية في المناظرة بالعمومية مثل التأكيد على "الأخوة ووحدة المصير"، دون الخوض في المشكلات التي تعاني منها هذه الشعوب.
والشعوب غير الفارسية في إيران تضم العرب والأكراد والبلوش والأذريون وغيرهم، ويبلغ عددهم نحو 40 مليون نسمة.
وعندما تطرقت المناظرة إلى أحوال المكون "الأذري" في إيران، الذين يشكلون ثاني قومية في البلاد، بقرابة 20 مليون نسمة، اكتفى المرشح، محسن رضائي بترديد شعار "تحيا أذربيجان"، وهي إحدى محافظات شمال غرب إيران، وحذى حذوه المرشح الأوفر حظا، إبراهيم رئيسي.
وقال رئيسي: "الناطقون بالأذرية في المحافظات التي يقيم فيها الأتراك"، مما دفع المرشح الإصلاحي محسن علي زاده، إلى القول إن المواطنين هؤلاء هُم فقط الذين يتحدثون التركية، ولا يجوز استخدام إصلاح الأذرية.
ويرى الكاتب والباحث في الشؤون الإيراني، غُفران حقي رحمن، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "كانت الحرب الأذربيجانية الأرمنية الأخيرة مؤشراً خطيرا بالنسبة للنُخبة الفارسية الحاكمة في إيران، إذ إنها أظهرت مدى سيادة الروح القومية لأبناء الجماعة الأهلية الأذرية في البلاد، الذين يشكلون رُبع السكان، ولأجل ذلك لم تستطع إيران تقديم مساندة حقيقية لحليفتها التقليدية أرمينيا".
وتابع: "ثمة حيرة مُركبة لمرشحي الرئاسة، فالحديث عن الحقوق القومية المسلوبة للأذر، سيرفع من مستويات الإحساس بالقوة والتضامن فيما بينهم، أما تهميشهم تماماً وعدم التعرض لأوضاعهم، فأنها سترفع من مستويات حسهم بالمظلومية، لذا ثمة نوع من التذكر الاحتفالي بهم، وفقط كذلك".
وخلال حملته الانتخابية، سُئل المرشح الرئاسي محسن رضائي عن رأيه وطريقة معالجته لمسألة الأقليات القومية في البلاد، فاكتفى بالقول: "حكومتي سوف تستغل إمكانات جميع الايرانيين من مختلف العرقيات والأديان، في حكومة العمل والإصلاح، سأستفيد من الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، والمجموعات العرقية المختلفة (...)".
لكن يبدو أن هذا الأمر لا يعدو كونه مجرد كلام إنشائي ردده بقية المرشحون دون أن تكون لديهم إرادة حقيقية على فعل شيء على أرض الواقع.
اضطهاد فظيع
المركز الإيراني لحقوق الإنسان، استعرض أوضاع الأقليات القومية في البلاد، قائلا إنها تعاني من أفظع أشكال "الاضطهاد بسبب العرق" حتى قُبيل الحملات الانتخابية للرئاسة.
وأشار إلى عمليات الإعدام الأخيرة التي طالت 3 من أبناء منطقة الأحواز ذات الغالبية العربية في غربي إيران، كذلك أُعدم في الفترة ذاته إيراني آخر من أبناء الأقلية البلوشية، وهي قضايا وأحداث لم يتم التطرق إليها في الحملات الانتخابية قط.
وقبل ذلك، دعت منظمة العفو الدولية مرشحي الرئاسة في إيران إلى الإلتفات إلى أوضاع آلاف السجناء من أبناء الشعوب غير الفارسية بمن فيهم العرب والأكراد والبلوش والأتراك.
ولم تسمح جائحة كورونا التي اجتاحت إيران بتحسين أوضاع سجنهم، وحينما نظم مع ذويهم تظاهرات احتجاجية على أوضاعهم، قابلتها الأجهزة الأمنية بالقمع، الذي أوقع أكثر من 50 قتيلا.
التحديات المقبلة
المركز الدولي للدراسات السياسية أصدر بحثا عن أوضاع الشعوب غير الفارسية في إيران، ويقول: "طوال الشهور الماضية، كانت الاشتباكات تزداد دموية بين القوات شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري والأقليات العرقية وخاصة الأكراد والعرب والبلوش".
ورأى المركز أن عمليات القتل التي طالت العرب والبلوش والأكراد أشعلت الغضب المتزايد في قلوب هذه الشعوب ضد نظام طهران كما زاد من ترددها في المشاركة في الانتخابات.
وتشير البيانات التي جمعتها شبكة حقوق الإنسان الكردستانية إلى أنه في عام 2020، قتل ما لا يقل عن 52 كرديا، وجرحت قوات الأمن الإيرانية 147 شخصاً.
ووفقا لمجلس بلوش لحقوق الإنسان، وهو منظمة مكرسة للدفاع عن حقوق شعب بلوشستان، فإن قوات الحرس الثوري الإيراني أكثر من 50 شخصا من أفراد هذا الشعب في 2020.