في 22 نوفمبر من العام 2020 انسحبت الولايات المتحدة -تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب آنذاك- رسمياً من اتفاقية السماوات المفتوحة، التي تسمح بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول الموقعة على الاتفاقية. وبعد تولي الرئيس جو بايدن، أكد أن واشنطن "لن تعود للمعاهدة"، ما دفع الجانب الروسي إلى اتخاذ خطوة مماثلة أخيراً.
ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، قانوناً يقضي بانسحاب بلاده وبشكل رسمي من المعاهدة. وقال الكرملين، في بيان: "إن القرار الأميركي بالانسحاب قوَّضَ بشكل كبير توازن المصالح بين الدول الأعضاء وأجبر روسيا على الانسحاب".
وثمة تداعيات مختلفة تفرض نفسها على انسحاب البلدين من الاتفاقية التي تم إقرارها في العام 1992، من قبل 27 دولة، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في أول يناير 2002.
وحمَّلَ الكرملين الولايات المتحدة مسؤولية الإضرار بشكل خطير باحترام المعاهدة وبأهميتها في بناء الثقة والشفافية، الأمر الذي تسبب في تهديد للأمن القومي الروسي.
الحرب الباردة
مدير مركز خبراء ريالست الروسي، خبير العلاقات الدولية، عمرو الديب، يقول في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن معاهدة الأجواء المفتوحة، الموقعة في العام 1992 كانت نتيجة رائعة من نتائج انتهاء أجواء الحرب الباردة بين القوتين الكبيرتين في العالم، و من خلال نصوص هذه المعاهدة، كان لــ 35 دولة في العالم فرصة كبيرة لمعرفة كيف يعمل جيرانها على الأرض بشكل قانوني.
تعهدت الأطراف الموقعة والمصدقة على هذه المعاهدة بفتح مجالها الجوي لرحلات المراقبة الخاصة من قبل الأطراف الآخرين. فلقد كان يحق للولايات المتحدة ولروسيا بالقيام برحلات جوية لمراقبة أراضي الدول الأخرى الموقعة على هذه المعاهدة.
ويشير الديب إلى أنه "لم يكن أحد سيحول مجاله الجوي إلى مجال للتجسس ومعرفة كل أسرار الدول العسكرية و الاقتصادية: لذلك كان يتم تنظيم عدد الرحلات وتوقيتها.. وعلى الرغم من كل القواعد فقد كانت خطوة كبيرة إلى الأمام في قضية السلام والثقة على الأرض بين المعسكر الغربي والاتحاد الروسي".
لكن بسبب ظروف عديدة مرت على مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، أعلنت واشنطن في وقت سابق أن المشاركة في معاهدة الأجواء المفتوحة ليست في مصلحة أميركا الوطنية.
وفي السنوات الأخيرة ، كان هناك العديد من النزاعات حول رحلات المراقبة؛ فكانت ترفض الولايات المتحدة السماح للطائرات الروسية بالاقتراب من ألاسكا وهاواي دون إبداء أي سبب. واشتكوا هم أنفسهم من أنهم لا يستطيعون الاقتراب من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من الجو.
كما أن موسكو كان لديها موقف صارم وهو أن الاتفاقية تنص على أن الرحلات الجوية يجب ألا تلمس خط الحدود البالغ طوله 10 كيلومترات. وتعترف روسيا بهذه الجمهوريات كدول مستقلة لذلك لم يكن للولايات المتحدة الاقتراب من هذه الجمهوريات.
ويلفت الديب إلى أنه "بانسحاب واشنطن لم تخسر شيئًا من معاهدة الأجواء المفتوحة، فبعد بعد كل شيء ظل الحق في التحليق فوق أراضي روسيا مع العديد من شركائه في الناتو، ولذلك روسيا قررت الانسحاب من هذه الاتفاقية؛ من أجل أن لا يُسمح للولايات المتحدة بالتحليق فوق أراضي الاتحاد الروسي من خلال شركائها في الناتو".
الأقمار الصناعية
ويشرح المفكر الاستراتيجي المصري اللواء سمير فرج، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أثر الانسحاب الروسي والأميركي من المعاهدة، بالإشارة إلى أن ذلك الأمر سوف يؤدي إلى العودة لتوسعة وتطوير نظم الأقمار الصناعية؛ بما يمكن الأطراف من الحصول على المعلومات بشكل دقيق بدلاً من السماوات المفتوحة، على رغم أن "الطيران كان يعطي المعلومات بدقة أكبر؛ على اعتبار أن المسافة لم تكن مرتفعة مقارنة بالأقمار الصناعية".
ويوضح أن انسحاب موسكو جاء بعد انسحاب الولايات المتحدة ذلك أن "روسيا شعرت أن الدول الأوربية، والأعضاء في حلف الناتو، يستطيعون الدخول -وفق الاتفاقية- وبالتالي الحصول على المعلومات ومنحها للولايات المتحدة الأميركية (وبالتالي لم تخسر واشنطن شيئاً من انسحابها)، ومن ثم جاء الانسحاب الروسي حتى لا يتم السماح لدول الناتو استغلالها وإعطاء المعلومات لأميركا رغم أنها منسحبة".
ويلفت إلى أن اتفاقية السماوات المفتوحة كانت تسمح للدول الأوربية والولايات المتحدة معرفة ما يدور في روسيا، وتسمح لورسيا معرفة ما يحدث في أميركا وأوروبا، وبالتالي بانسحاب واشنطن وموسكو من المعاهدة، فإن المعلومات سوف تقل، ومن ثمّ يلجأ الطرفان لتطوير أنظمة الأقمار الصناعية للحصول على المعلومات الدقيقة".