في ظل التوترات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن والأميركي جو بايدن، يتزايد الحديث عن قمة مقترحة بينهما، لبحث قضايا الصراع بين واشنطن وموسكو، والتي تعيد للأذهان ذكريات الحرب الباردة.
بيد أن ثمة انعكاسات، على ما يبدو، تضع آثارها الواضحة في ظل هذا الصراع القائم على عدد من قضايا الشرق الأوسط، بحسب المحلل السياسي الروسي دينيس كوركودينوف، وذلك على خلفية "التنافس الجيوسياسي" بين موسكو وواشنطن، بينما يعد الإقليم بؤرة هائلة للتجاذب بينهما لتعدد المصالح الحيوية السياسية والأمنية والاقتصادية.
ويضيف كوركودينوف لـ"سكاي نيوز عربية": "الصراع المحتدم بين واشنطن وموسكو سوف يؤثر على القضايا الإقليمية بالشرق الأوسط، ومن بينها الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى الأزمات الإقليمية وبؤر الصراع القائمة في دول المنطقة، والتي تتداخل فيهما البلدان، لكن من الواضح أنه لا توجد ثمة رغبة لطوي صفحة الخلافات وخفض التصعيد"
ومن بين انعكاسات ذلك الوضع على الإقليم "استمرار مناطق الصراع والتوتر، في ليبيا وسوريا واليمن، والتي تشهد تنافسا بين البلدين، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتأزم الوضع في ما يتصل بالملف النووي الإيراني، وكذا الردع الإيراني".
ومن جانبه، يقول المحلل السياسي الروسي دينيس كوركودينوف، إن اللقاء من المتوقع أن يجري في منتصف يونيو، مباشرة بعد قمة مجموعة السبع في بريطانيا والمحادثات مع حلفاء الناتو في بروكسل.
وأضاف في تصريحاته لـ"سكاي نيوز عربية": "ويأتي توقيت الاجتماع لضرورة تنسيق السياسات الأوروبية تجاه موسكو وبما يتماشى مع التوقعات الأميركية. في الوقت نفسه، وبحسب معظم المحللين ، يمكن تنظيم عقد اللقاء المحتمل بين بايدن وبوتن في العاصمة الأذربيجانية باكو. إذ يضغط السياسيون في أذربيجان باتجاه هذه المبادرة من أجل تعزيز مواقفهم الدولية بعد نهاية حرب كاراباخ الثانية وإظهار اهتمام موسكو أولاً وقبل كل شيء بالفوز بمكافآت إضافية في إدارة البيت الأبيض وأوروبا".
ومن الواضح تماما أن تفاصيل الاجتماع بين بايدن وبوتن لن يتم الكشف عنها كاملة، بحسب المحلل السياسي الروسي، بيد أنها سوف تناقش "القضايا المشتركة بين البلدين، وتعرج على الخلافات التي تسبب في التوترات الأخيرة، وقضايا الأمن الدولي، والسبب الرئيسي للاجتماع تطوير قواعد مشتركة للعمل على جميع المستويات الإقليمية، حيث تتقاطع مصالح موسكو وواشنطن والاتحاد الأوروبي".
وتشهد العلاقات الروسية الأميركية تراجعا وحدة غير مسبوقة، منذ التنافس الجيوسياسي والصراع القديم والتقليدي بفترة الحرب الباردة، وقد كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء الماضي، أن موسكو اقترحت مناقشة الاستقرار الاستراتيجي خلال الاجتماع المرتقب.
وقال وزير الخارجية الروسي، إن موسكو لا تزال تنتظر إجابات من واشنطن بخصوص القمة المقترحة بين الرئيسين، موضحا: "نتعامل مع فكرة القمة بإيجابية، لكن ما زال هناك الكثير من الغموض حول شكل الاجتماع الذي يتحدث عنه الأميركيون".
وكانت الولايات المتحدة فرضت، منتصف الشهر الماضي، عقوبات على روسيا، مما دفع الأخيرة إلى الرد على ذلك بقرارات من بينها طرد دبلوماسيين وحظر دخول مسؤولين أميركيين كبار إلى أراضيها، بالإضافة إلى فرض قيود مختلفة من شأنها عرقلة عمل البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، ناهيك عن حظر المؤسسات الأميركية والمنظمات غير الحكومية على أراضيها على خلفية "تدخلها العلني" في السياسة الروسية الداخلية.
ومن بين أعضاء إدارة الرئيس الأميركي الذين سوف يحظر دخولهم إلى روسيا، وزراء العدل والأمن الداخلي ومستشارة السياسة الداخلية، إلى جانب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ومديرة المخابرات.
إذاً، تبدو القمة المرتقبة بين بايدن وبوتن ضرورية جدا لأن المسائل الإقليمية في جميع المناطق في العالم ترتبط بخارطة الطريق بين روسيا والولايات المتحدة، بحسب الدكتور كمال الزغول الباحث في التاريخ السياسي الأميركي.
ويلفت الزغول في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن القمة المرتقبة قد يناقش فيها الطرفان التصعيد في أوكرانيا والمسائل الاستراتيجية المهمة مثل مسألة نزع الأسلحة النووية وتخفيض عدد الرؤوس النووية ، وارتباطات تلك المسائل بالملف النووي الإيراني، وأيضا الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، إذ إنه من المتوقع أن تكون هذه القمة تمهيدا لمناقشة "تمديد معاهدة نيو لخفض الاسلحة النووية بما فيها الرؤوس النووية) لمدة 5 سنوات إضافية (New Strategic Arms Reduction Treaty).
هذه المعاهدة كانت قد تضررت بسبب انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من معاهدة خفض الأسلحة النووية متوسطة المدى (Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty)، بحسب الزغول، وانسحابه أيضا من الاتفاق النووي الإيراني، ومن معاهدة الأجواء المفتوحة (Open Skies Treaty).
ويشير الباحث في التاريخ السياسي الأميركي إلى أن القمة المحتملة بين بوتن وبايدن سوف تكون في دولة ثالثة لتوفير أجواء مريحة في النقاش حول تلك المسائل الحساسة.
ويتابع: "ستضفي تأثيرا كبيرا على تقدم مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني بالإضافة أنها ستناقش العقوبات الأميركية على روسيا مقابل التزام الأخيرة بوقف الحرب السيبرانية والتدخل في الشأن الأميركي الداخلي، والتهدئة في أوكرانيا. واقتراح أن تكون القمة في يونيو يؤشر على عدم حسم القمة، هل ستكون على مستوى الخبراء؟ أم على مستوى الرؤساء؟ لكن أهمية الموضوعات المطروحة ترجح لقاء مرتقب بين الرئيس بايدن والرئيس بوتن، وهي باعتقادي ضرورية جدا لاستعادة الأمن والاستقرار الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا واستعادة عافيته".