جاء قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، بالاعتراف بالمذابح التي ارتكبت في العهد العثماني ضد أكثر من مليون أرمني، ليصعّد المطالبات الأرمينية بحقوقهم المهدرة على مدار العقود الماضية.
وكان بايدن اعتبر أن المجازر التي طالت 1.5 مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الإمبراطورية العثمانية "إبادة جماعية".
ويأتي إعلان بايدن بمناسبة الذكرى الـ106 لعمليات القتل الجماعي التي بدأت عام 1915، عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تقاتل روسيا القيصرية خلال الحرب العالمية الأولى في المنطقة التي هي الآن أرمينيا.
ووصف رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية بمصر، أرمن مظلوميان، في تصريحات خاصة لموقع"سكاي نيوز عربية"، قرار الرئيس الأميركي بـ"المهم للغاية"، وبأنه يمثل "انتصارا كبيرا للإنسانية ولعدالة القضية الأرمينية".
وقال مظلوميان الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية" أثناء تواجده في العاصمة الأرمينية يريفان للمشاركة في احتفالات فعاليات الذكرى الـ 106 من المذابح، إن الاعتراف الأميركي له تأثير كبير لاستعادة حقوقنا بشكل كبير، فالولايات المتحدة إحدى الدول المؤثرة في العالم، كما أنها واحدة من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، وبالتالي ستمثل دفعة كبيرة على مسار استرداد الحقوق الأرمينية.
وأضاف: "اعتراف الإدارة الأميركية الجديدة، بعد اعتراف الكونغرس ومجلس الشيوخ، يمثل ورقة ضغط فاعلة على تركيا لتغيير سلوك الإنكار، واتخاذ خطوات إيجابية نحو الاعتراف بجريمة أجدادهم العثمانيين، والتصالح مع ماضيها المؤلم وإعادة الحق لأصحابه".
وسبق أن أصدر الكونغرس في عام 2019 بأغلبية ساحقة، قرارات غير ملزمة في مجلسي النواب والشيوخ وصفت عمليات عام 1915 بأنها إبادة جماعية، لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، رفضت حينها الاعتراف بالأمر.
وأوضح مظلوميان أن منظمات الضغط الأرمينية ستعمل خلال الفترة المقبلة على أجندات أخرى لتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة، والعمل من أجل إعادة الأسرى الأرمن المحتجزين في أذربيجان.
وشدد على أن اعتراف بايدن بتعرض الأرمن للإبادة، جاء بمثابة رسالة قوية إلى المجتمع الدولي للتأكيد على أهمية قيم حقوق الإنسان، ومعاقبة مرتكبي الجرائم حتى ولو بعد حين.
ودعا رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية، دول المجتمع الدولي إلى اتخاذ نفس قرار الإدارة الأميركية والاعتراف بـ"أول إبادة في القرن العشرين"، دون التقيد بمستوى العلاقات السياسية بين الدول.
تعويضات مستحقة
ويرى المؤرخ المصري، الباحث في تاريخ الأرمن، محمد رفعت الإمام، في تصريحات لموقع"سكاي نيوز عربية"، أن الاعتراف بالإبادة الجماعية بحق الأرمن سيجر الويلات على تركيا، لأنه سيترتب على ذلك دفع تعويضات للأرمن، وتجديد المطالبة بالأراضي في شرق الأناضول، والتي تعد قبل توقيع اتفاقية لوزان عام 1923، الولايات الأرمينية الست التي احتلها الأتراك في خط متوازٍ مع احتلالهم لمصر مطلع القرن الـ 16، وهي ذاتها الأراضي التي وقعت عليها الإبادة.
وأوضح الإمام أنه عقد مؤتمر في لوزان بسويسرا عام 1923 للتفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا، وجرى استرضاء تركيا لتكون حائط صد ضد الاتحاد السوفيتي، ووافقوا أن يضم الأتراك أرمينيا الغربية التي وقعت بها الإبادة ضمن حدود تركيا الحالية، مشددا على أن هذا سيمثل أزمة كبيرة لتركيا مستقبلا.
ويشير المؤرخ المصري إلى أن قرار بايدن، سيجر على تركيا سلسلة كبيرة من الاعترافات بالجرائم التي تمت على سبيل المثال للعرب في بلاد الشام، والأكراد وللمسيحيين في شرق أوروبا، وما يترتب عليها من تعويضات مالية ضخمة.
وهناك جانب آخر في هذا القرار، بحسب الإمام وهو جانب معنوي، كون أن جريمة الإبادة الجماعية هي أعلى جريمة في القانون الدولي، و"عندما تلصق بشعب أو دولة تلحق بها العار".
أميركا خير شاهد
وشدد الباحث المصري في تاريخ الأرمن، على أن الولايات المتحدة كانت خير شاهد على وقوع الإبادة بحق الأرمن أيام الحرب العالمية الأولى عن طريق السفير الخاص بها في إسطنبول هنري مورغنثاو، والذي ألّف كتابا تحت اسم "قتل أمة"، سجل فيه أحداث الإبادة الأرمينية.
وبيّن أن مراسلات السفارة الأميركية بإسطنبول مع الخارجية الأميركية، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الإبادة قامت بها جماعة تركيا الفتاة خلال الحرب العالمية الأولى، لكن المصالح الأميركية التركية بعد سقوط الدولة العثمانية وحاجة الغرب إلى وجود دولة فاصلة ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعي، اضطرهم للدخول بشراكة استراتيجية مع تركيا، وأصبح ملف القضية الأرمينية من الملفات المسكوت عنها.
واختتم حديثه بالقول، إنه من الواضح أن "الوقت حان لاسترداد حقوق الأرمن، بعد عقود من التجاهل".