تسببت تصريحات وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، مؤخرا، بخصوص وجود عجز في ميزانية القوات المسلحة الإيرانية، بجدل واسع وردود فعل متفاوتة، وقد بعث من جديد النقاش التقليدي والمتكرر حول نفقات الحرس الثوري الإيراني، والفجوة الموجودة بين المؤسستين العسكريتين.
وقال وزير الدفاع الإيراني في جلسة للبرلمان الإيراني، الثلاثاء الماضي، إن "القوات المسلحة تعاني عجزا ماليا يعيقها عن تأمين رواتب المجندين في المناطق الخطرة التي تقع تحت وطأة معارك عسكرية"، موضحا في رده على استجواب النائب الإيراني عبد الرضا المصري حول عدم تأمين رواتب المجندين أن "العجز المالي الخاص برواتب هؤلاء المجندين البالغ عددهم سنويا نحو 60 ألف مجند يصل إلى ألف مليار تومان إيراني.. والعديد من المجندين وحتى المتقاعدين من العاملين بالقوات المسلحة يواجهون ظروفا معيشية متعسرة".
وحث حاتمي البرلمان الإيراني على ضرورة دعم القوات المسلحة من خلال تخصيص موازنة تسمح لها بـ"سد العجز المالي داخل صفوف الجيش، والذي يشمل بجانب المجندين الإدارات العسكرية"، حسبما أفادة وكالة الأنباء الرسمية "ايرنا".
ومن بين ردود الفعل اللافتة حول تصريحات وزير الدفاع الإيراني، الإشارة إلى دعم الحرس الثوري الإيراني للميلشيات التابعة له في عدد من الدول بالمنطقة، لا سيما وأن ميزانية العام الماضي قد شهدت تضاعف للمخصصات المالية للحرس الثوري بنسبة 58 بالمئة، أي زادت من 24 ألفا و335 مليار تومان، إلى 38 ألفا و564 مليار تومان وهو ما يعادل مليار ونصف دولار.
من جهة أخرى، فإن ميزانية الجيش الإيراني، خلال موازنة العام الحالي، شهدت صعودا من 13 ألفا و138 مليار تومان في العام الماضي إلى 20 ألفا و115 مليار تومان، وهو ما يجعلها تقترب قليلا من الزيادة المخصصة للحرس الثوري بنحو 53 بالمئة.
مطلع العام الحالي، وفي الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، أصدر البرلمان الإيراني، مشروع قانون يهدف إلى رفع ميزانية فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عبر استغلال أموال الصادرات الإيرانية في العراق، والتي بلغت في الأشهر الأخيرة من العام الماضي قرابة 5 مليارات دولار، بغية الانتقام من مقتل سليماني، حسب ما ذكرت وكالة الطلبة الإيرانية "إيسنا". وقد نص القانون على "تخصيص 1 بالمئة من عائدات التصدير إلى العراق لفيلق القدس لتمكينه من استخدام هذه الميزانية لدفع مكافأة لمن يعملون على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، أو محاسبة منفذي اغتيال القائد الإيراني".
التناقضات والتفاوتات
وفي ظل هذه التناقضات والتفاوتات الموجودة بين الحرس الثوري والجيش بإيران، يرى المحلل السياسي الإيراني، حبيب الله سربازي، أن تصريحات وزير الدفاع لا تبدو جديدة، إنما تعكس أزمة تعود إلى "بداية ثورة الخميني وتأسيس الجمهورية".
وأوضح في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية": "أنه منذ عام 1979، لم يثق قادة إيران بالجيش وكانوا دائما خائفين من احتمال حدوث توتر وانقلاب عليهم من قبل عناصر القوات المسلحة الذين ظلوا محسوبين على شاه إيران والفترة السابقة على قيام الجمهورية، لذلك تعاملوا معهم بحذر شدید، في المقابل، عمدوا إلى تدشين الحرس الثوري وأعطوا له صلاحیات وسلطة واسعة".
ويتابع سربازي: "يمتلك الحرس الثوري الإيراني قدرات عسكرية أكثر بكثير من الجيش، وحتى الجيش يديره قادة من الحرس الثوري، وقد سبق للناطق الرسمي بلسان الجيش، حبيب الله سياري، أن صرح، مؤخرا، بأنه "إذا عمل أي جهاز عسكري وفقا لوصفه الوظيفي، فلن يكون هناك توتر، غير أن بعض الأجهزة (في تلميح إلى الحرس الثوري) ليست كذلك".
كما أنه "كل عام تزداد ميزانية الحرس الثوري، ويترك الأبواب له مفتوحا للأنشطة الاقتصادية والتجارية، ومؤخرا، اتخذ الحرس الثوري خطوات لدخول السياسة والسيطرة على الرئاسة بعد الحصول على أغلبية في البرلمان والقضاء، وهذا ما أثار قلق الفئات المختلفة داخل البلاد، لدرجة كبيرة".
ويلفت المحلل السياسي الإيراني إلى أن حسن روحاني في الرسالة التي بعثها قبل أيام للجيش، دعا فيها الأخير إلى الاصطفات بجانب الشعب، لكن رسالة روحاني لم تقرأ بالكامل خلال العرض العسكري للجیش، وهو ما يدل علی التوتر الموجود والقائم داخل النظام خوفا من ازدیاد قدرة الحرس الثوری وقلب کل الموازین لصالحه".
أزمة حقيقية
ويشير الدستور الإيراني إلى أن "تبقى قوات حرس الثورة التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها".
وشدد الدستور على أنه "يجب أن يكون جيش جمهورية إيران، جيشا -إسلاميا-، من خلال كونه جيشا عقائديا وشعبيا، وأن يضم أفرادا لائقين مؤمنين بأهداف الثورة، ومضحين بأنفسهم من أجل تحقيقه".
وإلى ذلك، يرى محمود أبو القاسم، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، أن قدرة الدولة الإيرانية تراجعت، بصورة كبيرة، عن تحمل مواجهة الأزمة المالية المتفاقمة، ولا يبدو أنها قادرة على مواصلة الإنفاق على عناصرها المنتشرين في مناطق الصراع بالخارج، وقد تم الكشف، مؤخرا، عن مغادرة نحو 200 من المنتسبين إلى مليشيات "فاطميون" و"زينبيون" من سوريا نتيجة عدم تسلمهم لرواتبهم".
ويتابع أبو القاسم لـ"سكاي نيوز عربية": "في الحقيقة أنه بقصد أو بدون قصد أسهم تدخل إيران النشط في دول المنطقة وتوسيع دعمها وتمويلها للمليشيات في استنزاف موارد الدولة، وقد جاءت العقوبات الأميركية القصوى لتفرض مزيدا من الضغوط على ميزانية إيران التي حرمتها من صادرات النفط والمعادن والبتروكيماويات".
وقد كشفت العديد من التصريحات من جانب حزب الله عن توقف الدعم الذي كان يتلقاه من طهران، بحسب الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، وكذلك يبرز هجوم ميليشيات الحوثية على المصارف والبنوك، خلال العام الماضي، عن حجم الأزمة، أو عن الفخ الذي انزلقت فيه إيران، إذ تبددت الثروة الطائلة التي حصلت عليها الدولة بعد توقيع الاتفاق النووي سواء من صادرات النفط أو الأصول التي تم الإفراج عنها.
ويلفت أبو القاسم إلى أن الشارع الإيراني كان على وعي بهذه "المغامرة غير المحسوبة لإيران لحساب مشروعها الإقليمي دون الانتباه للأوضاع المعيشية المحلية المتدهورة"، وقد عبر عن امتعاضه، بشعارات مثل: "لا سوريا ولا لبنان.. روحي فدا إيران".
وختم بالقول: "الأزمة الراهنة التي يمر بها النظام ما تزال تؤكد على فاعلية الضغوط القصوى التي كانت تعتمده إدارة دونالد ترامب في مواجهة سلوك إيران الاقليمي المزعزع للاستقرار، وهي الضغوط التي ما تزال إدارة جو بايدن تعتمد عليها من أجل الضغط على إيران بهدف الوصول إلى تسوية في مفاوضات فيينا التي تجري حاليا، فيما يشكل تصريح قائد الجيش إحراجا للنظام في لحظة توتر وقلق داخليا وخارجيا، حيث هناك حالة غضب متنامي في الداخل، وفي الخارج يحاول النظام إظهار تماسكه في مواجهة الضغوط، والإيحاء بأن العقوبات لم تؤت ثمارها".