بعد أيام من الشد والجذب، انتهت جولة جديدة من مفاوضات فيينا بين إيران والدول الموقعة على الاتفاق النووي إلى إعلان بعض الأطراف "تفاؤلها" بإحراز تقدم، فيما تنذر الشروط التي تضعها طهران وواشنطن بطول أمد المفاوضات في جولاتها المقبلة.
وثمّة ترجيحات بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي انسحبت منه- من جانب واحد- في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سنة 2018 بعد 3 سنوات من توقيع الاتفاق سنة 2015، خاصة وأن نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي يقود وفد بلاده في فيينا، قال إن "المحادثات وصلت إلى مرحلة يمكن فيها العمل على وثيقة مشتركة" .
إلا أن هذه العودة المحتملة للاتفاق لا تعني انفراجة كبرى في المحادثات التي تأمل منها إيران إلغاء العقوبات المفروضة عليها.
وفي ختام الجولة الثانية من اجتماعات فيينا، السبت الماضي، قال منسق جلسة المباحثات في فيينا، إنريكي مورا، بتفاؤل إنه تم "إحراز تقدم في مهمة ليست سهلة".
وتدفع الصين بمركب المباحثات بعيدا عن أمواج الخلافات الشديدة المتلاطمة، فيقول مبعوث الصين لمفاوضات فيينا، وان تسون، أن المحادثات ستتواصل، وبقية أطراف الاتفاق اتفقت على تسريع العمل بشأن قضايا من بينها العقوبات التي سترفعها الولايات المتحدة.
حزم أميركي
أما واشنطن، فبلهجة حازمة قالت على لسان مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جيك ساليفان، في حديث لقناة "فوكس نيوز"، أمس، إنه لا يوجد نوايا لـ"تقديم أي تنازلات" لطهران أو رفع العقوبات "إلا مع تطبيق طهران التزاماتها في إطار الصفقة".
ورغم هذا، فإن المحلل السياسي الإيراني، عارف باوه جاني، يرى في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن مسار الدبلوماسية الذي ينتهجه الرئيس الأميركي جو بايدن لإنقاذ الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني، وتدعمه القوى الغربية كان ضروريا.
ويبرر هذا بأن: "الدبلوماسية خفضت من التصعيد الذي خيم على العلاقات بين واشنطن وطهران، وحالة التعامل الخشن بينهما الذي بدأ بفرض العقوبات، وبلغ ذروته باستهداف قياديين في الحرس الثوري الإيراني، العام الماضي في بغداد، قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، لكن هناك ضرورة ملحة لبدء حوار آخر تبعا للتطورات في الملف، يتصل بسلوك إيران الإقليمي، ووقف مسارات الحصول على المواد الانشطارية التي تمكنها من امتلاك قنبلة نووية".
وإضافة إلى إيران، يشارك في المباحثات كل من الصين، روسيا، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، فيما تشارك الولايات المتحدة بشكل غير مباشر عبر مبعوثها إلى طهران روبرت مالي.
وبحسب المحلل السياسي الإيراني، فإن طهران ترغب في العودة للاتفاق نتيجة الضغوط الاقتصادية التي فاقمتها العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب داخلها بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، منتصف العام الحالي؛ فالملف النووي أحد أوراق الضغط بين جناحي السلطة، حيث إنه في الوقت الذي يبدي فيه الرئيس حسن روحاني مرونة يسعى المرشد علي خامنئي إلى التشدد، وهو ما ظهر في تباين مواقفهما، أكثر من مرة، ومن بينها قبول الأول بتفاهمات أولية وجزئية "التزام مقابل التزام"، بينما الأخير يصر ويضغط على مسالة "رفع العقوبات أولا وبصورة كاملة".
شروط إيرانية وأميركية
ويوضح الدكتور كمال الزغول، الباحث في التاريخ السياسي الأميركي، ما يراها "معضلات أساسية" في المفاوضات الأميركية الايرانية حول الملف النووي سواء ما يخص إيران أو الولايات المتحدة.
فيقول إننا "نلاحظ جليا أن إيران تطرح مطالب زائدة عن الاتفاق السابق الذي تم توقيعه عام 2015، تتجسد في رفع العقوبات المفروضة على صواريخها البالستية التي فرضتها واشنطن، وبما أن إيران تحاول الهروب من النقاش حول مشروع الصواريخ البالستية، فمن الممكن أن يركز الجانب الأميركي على إجبار طهران على القبول باتفاق منفصل حول هذه الصواريخ كعمل احترازي ضد محاولاتها إخفاء ترسانتها الصاروخية، تحت مسمى العودة للاتفاق السابق بدون عقوبات على تلك الصواريخ".
ويرى الزغول أن إيران تدرس عناصر الربح والخسارة لأي اتفاق قادم، وبناءً على هذا قد تظهر معوقات في المفاوضات، ومن بينها أن "إيران من الممكن أن تعود للتفاوض على 15 عاما من جديد كمدة محددة لخفض مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب إلى 300 كغم، تبدأ من لحظة الاتفاق الجديد وليس كمتابعة للسنوات المحسوبة التي مرت بعد الاتفاق السابق مع تجاهل لكمية التخصيب التي حصلت في فترة عدم الالتزام خلال إدارة ترامب".
وأيضا "وضع شرط آخر يتمثل في الحصول على موافقة من إيران لإجراء أي نوع من التفتيشات من قبل وكالة الطاقة الذرية، وهذا بالطبع سوف يزيد من قدرة إيران التراكمية للتخصيب أكثر من 5% المنصوص عليها بالاتفاق السابق، كما يسهم في كسب الوقت من أجل رفع العقوبات عن الشركات والكيانات الإيرانية".
ومن بين المعضلات الأخرى "إلغاء عقوبات 10 سنوات على الصواريخ البالستية التي فرضت مطلع عام 2016 وليس لها علاقة بالاتفاق النووي، مع مراعاة الأمن والاستقرار في أكبر مربع أمني في العالم “Security Complex "، وهو الشرق الأوسط، ويضاف إلى ذلك مسألة ضبط المليشيات الإيرانية في العراق، وتحييد التعاون الاستراتيجي بين بكين وطهران، سواء العسكري أو الاقتصادي، وتحديدا استخراج النفط والغاز في جنوب العراق، وجنوب شرقي البلاد في محافظتي البصرة وميسان العراقيتين".
وفيما يخص العلاقات بين روسيا وإيران، ففي حال رفعت العقوبات عن إيران سوف تلغى تلقائيا عن روسيا، وهذا ما يسمى "الفعل المتعدي" (Transitive Action) بسبب علاقاتهما وتعاونهما التجاري.
لكن الملف النووي قد يتغير مساره بمفاجآت، فبحسب الزغول قد يظهر "تقارب سعودي إيراني ينجم عنه وقف استهداف الحوثيين لشركة أرامكو، ويديم استمرارية تدفق النفط عبر مضيق هرمز بدون عوائق، وهذا سوف يستفز إسرائيل التي من المحتمل أن تكون عائقا في مراحل متقدمة من المفاوضات، إما بإشعال المناوشات البحرية أو القصف على أذرع ايران بالمنطقة، أو استخدام هجمات سيبرانية".