هجوم سيبراني، أو التأجيل لما بعد مفاوضات الاتفاق النووي، أو ضرب سفينة إسرائيلية، هي الخيارات المتوقع أن تلجأ لها إيران للرد على ضرب محطة "نطنز" النووية، لحفظ ماء وجهها رغم ضعفها مقارنة بالضربة الكبيرة التي تلقتها.
وهذه الخيارات توقعها محللون سياسيون إيرانيون في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"؛ بناء على الظروف الراهنة، وضعف الردود الإيرانية على ضربات لطمتها بعنف سابقا، ومنها اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني المتخصص في صناعة ونشر الميليشيات الموالية لإيران في عدة دول.
وفوجئت إيران بانفجار مباغت في محطة نطنز النووية، الأحد، دمّر نظام الطاقة الداخلي الذي يزود أجهزة الطرد المركزي في باطن الأرض، والتي تخصب اليورانيوم، في تطور لافت، خصوصا بعد إعلان هيئة البث الإسرائيلي (كان)، نقلا عن مصادر لم تسمها- أن جهاز الموساد الإسرائيلي شن "هجوما إلكترونيا" على موقع إيران النووي.
ومن جانبها، وجهت إيران، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، في مؤتمر صحفي بطهران، الاثنين، اتهاما لإسرائيل بالوقوف خلف الهجوم بقوله: "بهذا العمل، حاول (الكيان الصهيوني) بالتأكيد الانتقام من الشعب الإيراني"، ولمَّح إلى أن هدف الهجوم بالذات هو إفشال المحادثات الجارية في فيينا التي تسعى فيها إيران لإقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على طهران، وبالعودة إلى الاتفاق الدولي المبرم سنة 2015 حول البرنامج النووي بعد أن انسحبت منه واشنطن سنة 2018 في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومن المتوقع أن يتسبب تدمير "نطنز" في خسارة كبيرة لإيران وإضعاف موقفها في المفاوضات؛ لأن التدمير قد يتسبب في تعطيل عملية تخصيب اليورانيوم لمدة 9 أشهر، حسبما ذكرت مصادر استخباراتية لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
اللافت أن الهجوم جاء مع بدء عملية تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة جديدة في منشأة نطنز، والتي تهدف إلى تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع، كما أنه يمكن استخدامه في تصنيع وقود المفاعلات النووية، وإعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني، مطلع الأسبوع الحالي، أنه تم تركيب "سلسلة من 164 جهازا للطرد المركزي من نوع "آي ار-6""، في حين ترى القوى الغربية الموقعة على الاتفاق النووي أن هذه الخطوة تعد ضمن خروقات طهران لبنود الاتفاق.
حق الرد.. إلى أي مدى؟
وعن ردود الفعل الإيرانية المتوقعة على الهجوم، وصف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، الهجوم بأنه "عمل إرهابي"، وأن بلاده تحتفظ بحق الرد ضد مرتكبيه، سواء من أمر أو نفذ.
غير أن إيران قد تواجه صعوبات في الرد بالقوي الذي تهدد به، ففي حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، يرى المحلل السياسي الإيراني، علي رضا اسدزاده، أن الهجوم على محطة نطنز جاء في "أسوأ وقت ممكن" بالنسبة لطهران، وذلك في أعقاب "اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية"، بالإضافة إلى وقوعه أثناء مفاوضات فيينا، حيث حاولت إيران أن تتحرك خطوة باتجاه المفاوضات مقابل رفع العقوبات عنها.
وبحسب رضا اسدزاده: "الحكومة الإيرانية أثبتت أنها لا تستطيع الرد بالمثل على نفس المستوى، وربما تهاجم بعض السفن البحرية الإسرائيلية، كما يحدث بشكل تقليدي"، لكن، في كل الأحوال، فرضت الضربة الأخيرة واقعا مؤثرا، حيث "اعترفت الخارجية الإيرانية بتدمير مجموعة من أجهزة الطرد المركزي (سنترفيوجات) IR1، والتي سيكون لها تأثيرات سلبية على عملية تخصيب اليورانيوم التي بدأت العمل عليها، مؤخرا، في المنشأة الرئيسية بالبرنامج النووي، وبالتالي، سيتراجع موقف طهران في المفاوضات النووية الجارية في فيينا".
يتفق مع الرأي ذاته، الباحث الإيراني، محمد المذحجي، والذي يرى أن الهجوم على منشأة نطنز لن يتبعه هجوما سيبرانيا، منوها أن الحادث الأخير سوف يلعب دورا وظيفيا مهما لكل الأطراف المعنية بالاتفاق النووي.
ويوضح هذا الدور في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "سارعت إيران بالإعلان عن التفجير في المنشأة النووية، وإسرائيل صنعت دعاية إعلامية موسعة باعتبارها هي من نفذت الهجوم من دون تبني واضح، وهو ما يظهر رغبة إسرائيل في ملاحقة تحركات إدارة جو بايدن في المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي، والوصول إلى توافق معين وصيغة مناسبة لا تتغاضى عن مصالح إسرائيل، وهو ما أعلن عنه وزير الدفاع الإسرائيلي الذي أكد عدم ممانعة إسرائيل لأي توافق يجري إن تم الأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية".
"فوائد الهجوم لإيران وأميركا"
ورغم ما سبق، فلا يخلو الهجوم من "فوائد" لأميركا وإيران معا، ويرى المذحجي أن إدارة بايدن ستستفيد بأنه سيسهل عليها تقديم التنازلات ورفع العقوبات بحجة خسارة إيران لقدراتها النووية، كما أنه سيمنح طهران حجة أخرى بخصوص وقف أنشطتها أو بالأحرى خروقاتها المستمرة فيما يخص رفع التخصيب، وبالتالي، يمكن الوصول للصيغة المعقولة للاتفاق النووي لكافة الأطراف.
ومن جهته، يرى محمود حمدي أبو القاسم، مدير وحدة الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، أن الضربة جزء من معركة "تكسير عظام"، وتكشف عن "المقاومة الاسرائيلية لنهج واشنطن الخاص برغبة إدارة جو بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي".
ولذلك، يرى مدير وحدة الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في حديث لـ"سكاي نيوز" أن إسرائيل تنظر إلى عودة الاتفاق النووي على أنه "تهديد خطير لمصالحها باعتبار الاتفاق لا يقضى على فرص إيران بخصوص حيازة سلاح نووي في المستقبل".
وعن الرد الإيراني المتوقع يقول: "إيران تدرك حساسية اللحظة الراهنة، حيث تأمل أن يفضى مسار فيينا إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، ورفع العقوبات، وبالتالي فإنها قد تؤجل مسألة الرد من أجل عدم تعطيل مسار التفاوض في فيينا، والذي يبدو أن الاطراف المعنية متفائلة بشأنه".
وأما الولايات المتحدة، فربما تستفيد من جراء هذه الضربة باعتبارها نموذجا للضغط الذي يمكن أن تتعرض له طهران في حالة عدم التعاطي الإيجابي مع المفاوضات، بحسب المصدر ذاته، والتخفيف من حدة مطلبها بضرورة رفع العقوبات أولا، لكن كما اعتادت إيران فإنها من أجل حفظ ماء الوجه ومن أجل جماهيرها في الداخل، ستعمل على الرد سواء بهجمات سيبرانية أو هجمات أخرى غير مباشرة على المصالح الاسرائيلية، كما حدث مع استهداف السفينة الاسرائيلية في الخليج قبل أسابيع قليلة.
وإلى ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، أثناء لقائه بقادة أجهزة الأمن والاستخبارات الخارجية (الموساد)، وجهاز الأمن العام (شاباك)، والجيش بمناسبة إحياء الذكرى الـ73 لتأسيس إسرائيل، إن "الكفاح ضد إيران وأذرعها وتسلحها مهمة ضخمة"، موضحا أن "الوضع القائم اليوم لا يعني أنه نفس الوضع الذي سيكون موجودا غدا".