لا تزال الخروقات الإيرانية للاتفاق النووي مستمرة، بعد تقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يثير العديد من التعقيدات في ظل الجهود الدبلوماسية الأوروبية لعقد اجتماع غير رسمي بمشاركة الولايات المتحدة لإعادة العمل بالاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2018.
لكن إيران التي اشترطت رفع العقوبات قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات، اعتبرت أن "الوقت غير مناسب في ظل عدم اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أي إجراء لرفع العقوبات عن إيران"، حسبما قال الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده.
وقال الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الإيرانية في بيان له، الاثنين، إنه "نظرا إلى المواقف الراهنة وخطوات الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (المنضوية في الاتفاق)، تعتبر إيران أن الوقت غير مناسب لعقد اجتماع غير رسمي اقترحه المنسق الأوروبي لخطة العمل الشاملة المشتركة".
وتزامن الموقف الإيراني الأخير مع انعقاد اجتماعات محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لبحث تداعيات تقليص عمل مفتشي الوكالة الدولية، والحد من وصول المراقبين الأمميين إلى المنشآت والمواقع النووية.
وفي مؤتمر صحفي افتراضي عقده المدير العام للوكالة الدولية رافاييل غروسي شدد على أن عمليات التفتيش يجب أن تستمر ولا يجب أن تكون "ورقة مقايضة"، بينما أكد على أن "وجود العديد من جزيئات اليورانيوم بشرية المنشأ، بما فيها تلك ذات التكوين النظائري المتغير، في أحد المواقع الإيرانية، التي لم يتم إبلاغ الوكالة عنها، هو دليل واضح على أن مواد نووية أو معدات ملوثة بمواد نووية كانت موجودة في ذلك الموقع".
ولفت غروسي إلى وجود "3 مواقع نووية سرية لم تعلن عنها طهران للوكالة"، كما قال إن "طهران لم تجب على أي من أسئلة الوكالة بخصوص احتمال وجود مواد نووية فيها"، موضحا أنه "بعد 18 شهرا لم تتمكن إيران من تقديم التفسير الضروري والكامل والموثوق تقنيا لوجود هذه الجزيئات".
مساومة وابتزاز
الباحث والمحلل السياسي الإيراني محمد المذحجي، قال لـ"سكاي نيوز عربية" إن محاولات الوكالة الدولية لإقناع إيران بالسماح بمواصلة التفتيش في "المواقع النووية المشبوهة"، ستظل محل "مساومة وابتزاز من جانب طهران للوصول إلى المفاوضات الممكنة مع الولايات المتحدة".
وأوضح المذحجي أن "إيران ستظل تمانع بخصوص السماح بالتفتيش الدولي، خاصة في المواقع الجديدة التي تطالب بها الهيئة الدولية".
ويرى أن طهران في حال وافقت تحت ضغط القوى الدولية، فسيكون للمواقع المعلنة والمتفق عليها مسبقا، إذ أنه "لن تسمح بتفتيش الجزء السري لبرنامجها النووي العسكري، لا سيما وأن ثمة تسريبات لافتة من أجهزة استخبارات الدول الأجنبية تشير إلى امتلاك إيران لمشروع تسليح نووي، ووجود جزئيات من اليورانيوم، ومواد نووية خطيرة".
ويرى الباحث والمحلل السياسي الإيراني، أن إدارة بايدن تنازلت عن وعودها بإلغاء العقوبات، وإنهاء سياسة الضغوط القصوى، بعد أن "رجحت كفة البنتاغون والجيش الأميركي وقد جمدت المؤسستان تفعيل هذه الخطوة"، وهو ما تؤكده تصريحات الناطقة بلسان البيت الأبيض جين ساكي التي اشترطت إلغاء العقوبات بالوصول إلى مفاوضات مع "شركائنا في مجموعة 5 + 1، ومنع إيران من الحصول على سلاح نووي".
الورقة الأهم
من جهته، يؤكد الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني هاني سليماني أن تأزم الملف النووي الإيراني يعود إلى قناعة طهران بأن هذا الملف هو "الورقة الأهم" و"الأكثر قدرة" في التأثير على إدارة مصالحها وعلاقاتها بواشنطن ومع الدول الأوروبية.
وأوضح سليماني لـ"سكاي نيوز عربية" أن إيران سوف تستمر في استراتيجية التصعيد لأعلى مستوى خاصة أنه "لا يوجد ثمة رادع حقيقي وخطر واضح يحاصر إيران".
وأضاف "هذا الموقف المتعنت من إيران مرجعه أن واشنطن لا تزال حتى تلك اللحظة لا تتبنى استراتيجية واضحة وحاسمة".
ويرى أن الحديث لا يزال قائما في سياق "الدبلوماسية المبدأية" التي وضعها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ، علاوة على جملة إجراءات مرنة تمثلت في سحب مذكرة العقوبات الأممية (سناباك) على إيران، وهذه الإجراءات جعلت إيران تحظى بأفضلية تفاوضية مجانية، وهو ما سيستمر طالما لم تر طهران لهجة أكثر حدة وجدية تشعرها بالخطر".
وبحسب الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني، فإن كافة المؤشرات والوقائع تدلل على أن إيران ما زالت تخفي مواقع بها أنشطة نووية، بما يؤكد عزمها على تبني سياسة الالتفاف والمراوغة وكسب الوقت في مواجهة وكالة الطاقة الدولية، فضلاً عن نواياها بخصوص مواصلة إجراءات التخصيب، وتحدي المجتمع الدولي.
ويؤكد أن إيران تحاول التصعيد لـ"كسب الوقت" حتى تتجنب التفاوض حول نقاط قوتها الرئيسة، والعودة للاتفاق النووي بشكله القديم، بعيداً عن البنود الجديدة التي من شأنها تقويض أدوار إيران وأنشطتها الميدانية والسياسية، مثل برنامج الصواريخ الباليستية، وتوسيع الاتفاق بدخول دول أخرى، ووقف الدعم المادي والعسكري الإيراني للميليشيات في المنطقة.