اتفاق أطول وأقوى، يجيب المتحدثون باسم البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع كلما سأل أحدهم عن الغاية من دبلوماسية الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه إيران ببرنامجيها النووي والصاروخي وبتدخلاتها المباشرة وغير المباشرة في شؤون الشرق الأوسط.
وبعد مرور نحو شهر على دخولها البيت الأبيض، أبلغت إدارة بايدن مجلس الأمن الدولي بأنها ألغت إعلان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران وخففت قيود السفر عن الدبلوماسيين الإيرانيين وقبول دعوة من الاتحاد الأوروبي للاجتماع مع إيران لبحث إحياء المسار الدبلوماسي بين البلدين. ورغم ذلك فإن عقبات كثيرة مازالت تعترض طريق الأميركيين نحو العودة إلى الاتفاق دون التنازل عن مصالحهم ومصالح حلفائهم.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إن وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا متفقون على العودة إلى الاتفاق النووي إذا أوفت إيران بالتزاماتها وفق الاتفاق.
وأضاف المسؤول أن الدول الأربع دعت إيران إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات تهدد بالإقدام عليها في الثالث والعشرين من الشهر الجاري فيما يتعلق بتطبيق البروتوكول الإضافي ووقف أو الحد من آليات التحقق من تطبيق الاتفاق النووي المعروف باسم الخطة الشاملة المشتركة.
وذكر المسؤول الأميركي أن العودة إلى الاتفاق يجب أن تشكل خطوة يبني عليها الطرفان، عبر تعزيز قوة الاتفاق وإطالة أمده لمعالجة القضايا الإقليمية التي تثير قلق الولايات المتحدة بينما تقدم إيران بواعث القلق لديها أيضا.
وتابع المسؤول أنه وعلى ضوء البيان المشترك أعرب المفوض الأعلى للسياسة في الاتحاد الأوروبي عن استعداده للدعوة إلى اجتماع غير رسمي لمجموعة خمسة زائد واحد مع إيران لبحث المضي قدما فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وأضاف أن الخارجية الأميركية ردت على ذلك بالإعراب عن استعدادها للحضور في حال توجيه دعوة للولايات المتحدة.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن مندوب الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة بالإنابة ريتشارد ميلز قدم رسالة لرئيسة مجلس الأمن الدولي ومندوبة المملكة المتحدة لهذا الشهر تقضي بإلغاء موقف الإدارة السابقة في الأمم المتحدة إزاء تطبيق العقوبات التي فُعلت وفق آلية سناب باك. تابع المسؤول الأميركي أن بعثة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة أخطرت البعثة الإيرانية بعودة الوضع إلى ما كان عليه الحال قبل الإدارة السابقة فيما يتعلق بتنقل أفراد البعثة الإيرانية داخل الولايات المتحدة. واعتبر المسؤول أن الخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن تتفق مع موقفها فيما يتعلق بإيران والأمم المتحدة ويعزز من قدرة الولايات المتحدة على معالجة برنامج إيران النووي وأنشطتها الأخرى المزعزعة للاستقرار.
حلفاء موافقون وحلفاء معارضون
ولا تخفي إدارة بايدن أن الوصول إلى اتفاق مع إيران يتطلب إقناع الحلفاء، خاصة في الشرق الأوسط، برؤيتها عبر معالجة مخاوفهم من نمو قدرات طهران العسكرية.
ولذلك يبحث المسؤولون الأميركيون العودة المشروطة للاتفاق مع أعضاء الكونغرس في الداخل ومع حلفاء وشركاء بلادهم في الخارج.
لكن انقسام الحلفاء بشأن نهج إدارة بايدن دفع وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى إطلاق سلسلة محادثات.
واستهدفت أولى المحادثات حلفاء يتفقون مع المسعى الأميركي لإحياء الاتفاق النووي رغم تخلي الإيرانيين عن الكثير من بنوده.
وتجلت تلك المحادثات في اجتماع افتراضي لبلينكن مع وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أسفر عنه بيان مشترك أشاد بنية واشنطن العودة إلى الاتفاق لكنه حذر من استمرار طهران في الابتعاد أكثر عن الالتزام باتفاق 2015.
محادثات أخرى أطلقتها واشنطن عبر دبلوماسييها مع حلفاء معارضين للعودة إلى الاتفاق النووي على رأسهم إسرائيل ودول عديدة في المنطقة.
وتجلت تلك المحادثات في اتصالات على مستوى وزراء الخارجية ومسؤولي الأمن القومي بهدف التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمنهم ضمن أي اتفاق مع إيران، وهو ما بدى جلياً في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس عن أن العودة للعمل بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة سيكون مجرد بداية ووسيلة لاتفاق أو اتفاقيات أخرى تعالج مخاوف من برنامج الصواريخ البالستية الإيراني ومن التهديدات التي تشكلها مجموعات تتلقى دعما من طهران في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط.
وتدرك إدارة بايدن وهي ترفع شعار الديبلوماسية أولا أن عليها استخدام قنوات قد لا تفضلها لوضع حد لطموحات إيران النووية. القناة الأولى تمر عبر بكين، حيث تفتح الصين أسواقها أمام النفط الإيراني ضمن شراكة تجارية وصناعية بمليارات الدولارات، لتمنح طهران فرصة تجاوز بعض تبعات العقوبات الأميركية على اقتصادها. ولذلك تبادل المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي مع نائب الوزير الأول في الصين "وجهات النظر بشكل معمق" بشأن برنامج طهران النووي، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الصينية.
ورغم الخصومة أيضاً، تسعى الولايات المتحدة إلى التعاون مع روسيا لاستثمار علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إيران للتوصل إلى تفاهمات تؤدي إلى الحد من خطر امتلاكها سلاحا نوويا. وفي المقابل تطمح موسكو في رفع العقوبات عن طهران بما يتيح تدفقاً أكبر لمبيعاتها من الأسلحة للإيرانيين، أمر عطلته العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من الاتفاق عام 2018.
حملة الضغط القصوى مستمرة ولكن
رغم إبلاغ مجلس الأمن الدولي بقرارها إلغاء إعلان إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة، فإن الإدارة الأميركية مازالت تفرض طائفة أخرى من العقوبات على إيران بسبب برنامجها الصاروخي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وتشكل تلك العقوبات جزءاً من الضغط الذي ترى فيه واشنطن أداة لتحقيق بعض التنازلات من الإيرانيين دون التخلي عن شعار الدبلوماسية أولاً.
وفي المقابل فإن إصرار إدارة بايدن على تفضيل الديبلوماسية على غيرها والاستعانة بمسؤولين من عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما قد يمنح الإيرانيين فرصة أكبر للمراوغة وانتظار مزيد من التنازلات من طرف الأميركيين، يقول مراقبون إنها بدأت بإلغاء تصنيف الحوثيين، حلفاء إيران في اليمن، جماعة إرهابية ووصلت حتى إلى التراجع عن عقوبات فرضتها إدارة ترامب. إذ يحذر عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول من العودة إلى "الاتفاق المعيب" مع إيران ومن تنازل بايدن عن " أفضلية" أوجدتها إدارتها سلفه.
وقال ماكول في بيان: "من المقلق أن إدارة بايدن تقدم التنازلات في محاولة واضحة للعودة الى الاتفاق المعيب مع إيران.
وأضاف: "إدارة ترامب خلقت امتيازا للرئيس بايدن بما يخص إيران ويجب ألا نهدر ذلك التقدم، علينا أن نضمن اتفاقا أفضل يبقي الأميركيين بأمان من كل التهديدات الخبيثة لإيران."
وأكد ماكول أن على إدارة بايدن أن تعطي الأولوية للعمل الحزبي المشترك والالتزام بعدم العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني حتى تلتزم به إيران بشكل كامل.