في الوقت الذي كشف فيه مسؤول حكومي في العاصمة واشنطن، الاثنين، في تصريحاته لـ "سكاي نيوز عربية"، عن اتجاه إدارة الرئيس جو بايدن لإطلاق مبادرة -عبر وسطاء أوروبيين- لفتح حوار مباشر مع طهران، حدد خبراء مختصون بالشؤون الإيرانية أبرز الفرص والتحديات أمام أي حوار أميركي- إيراني في الفترة المقبلة.
وبحسب تلك القراءات، فإن أي محادثات أميركية-إيرانية تلفها عدة دوافع إيجابية للتوصل لاتفاق، بموازاة تحديات إشكالية مُهددة لأي حوار قادم بين الطرفين. ومن بين أبرز الفرص بموازاة التصريحات المرنة للرئيس جو بايدن بشأن العودة للاتفاق النووي بشروط جديدة، تبزغ حاجة إيران للخروج من عزلتها السياسية وتفادي آثار العقوبات الاقتصادية الخانقة التي أفرزت ضغوطات داخلية هائلة عززت من أزمة النظام الإيراني.
رغبة الطرفين وإن توافقت حول الحوار، فإن الإشكاليات الكبرى تكمن في تفاصيل ذلك الحوار، لجهة اشتراطات الجانب الأميركي وتمسكه بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، وكذا تضمين الصواريخ الباليستية وأنشطة زعزعة الاستقرار ضمن أي اتفاق، وهو ما يرفضه الجانب الإيراني المتمسك بنهجه، والساعي لامتلاك أوراق ضغط تفاوضية جديدة، ملوحاً بورقة "الميلشيات" في المنطقة.
وفيما يعتقد محللون بأن التعاطي الأميركي مع الملف لن يكون فورياً؛ لارتباط الرئيس بايدن بملفات ومشكلات داخلية وخارجية ذات أولوية، فإن بعضهم يرجح أن يكون ذلك الانخراط الأميركي المباشر في الحوار مع طهران بعد الانتخابات الرئاسية هناك، والتي من المقرر أن تجرى في شهر يونيو المقبل.
معاناة إيرانية
مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، المختص في الشؤون الإيرانية، هاني سليمان، يقول في تحليله للفرص والتحديات التي تواجه أي حوار أميركي-إيراني قادم، إن "النظام الإيراني في الفترة السابقة كان يعاني بشكل كبير من العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى العزلة السياسية، ما أثر عليه بشكل كبير وعلى هامش وفرص إيران في التحرك في النظام العالمي وتحقيق مكاسب، وحتى في تعامل النظام مع شعبه والاحتجاجات المتصاعدة بالداخل، وما يواجهه النظام الإيراني من ضغوط، ومن ثمّ فإن وجود رئيس أميركي جديد يرى معه النظام الإيراني بأنه يمنح أملاً في العودة للاتفاق النووي ورفع بعض العقوبات سواء في القطاع الصحي أو قطاعات أخرى، وبالتالي الخروج من النفق المظلم".
وذلك علاوة على سياسة بايدن المنفتحة على أوروبا، بما يعطي الفرصة لتفاهمات ورؤية أميركية-أوروبية مشتركة، على اعتبار أن بايدن يريد الاستفادة من "الخطأ التاريخي لترامب" الذي كان يعتمد استراتيجية منفردة في التعامل مع إيران، بينما "بايدن يسعى إلى صياغة رؤية مشتركة، وهناك اتجاه للعودة للاتفاق النووي ولكن وفق شروط وضوابط معينة".
ويلفت سليمان إلى وجود أربع شخصيات في الإدارة الأميركية الجديدة من الأسماء القوية المعنية بالشأن الإيراني (وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية وأخيراً المبعوث الخاص للشرق الأوسط)، بما يعطي زخماً في هذا الملف بشكل عام.
ويلفت مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات، إلى أن من بين الفرص أيضاً أن "البيئة مواتية للحوار، في ظل تصريحات ربما تكون إيجابية من الأطراف المختلفة".
قرارات ترامب
وعلى صعيد التحديات، فأولها أن جو بايدن لا يملك القرار منفرداً؛ ذلك أن هناك مؤسسات أخرى تشكل ضغطاً، فضلاً عن التحدي الخاص بالقرارات التي اتخذها ترامب خلال السنوات الماضية بفرض عقوبات وبعض الأمور التي عقدت المشهد والعلاقات مع إيران، بما جعل بايدن يحتاج المزيد من الوقت لفك هذه التعقيدات.
أما التحدي الثالث، في تصور سليمان، فيكمن في ما تكشفه تصريحات المدير التنفيذي لـوكالة الطاقة الذرية الذي قال إن "العودة إلى المربع صفر بالنسبة للاتفاق النووي أصبحت مستحيلة الآن" ذلك على اعتبار أن إيران متطورة للغاية في الخروج من الإجراءات الخاصة بالاتفاق النووي، ومنها زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة، وبالتالي الوضع يحتاج المزيد من الوقت من أجل عودة الأمور إلى ما كانت عليه.
ويتحدث مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات، في معرض تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، عن مبدأ "صدق النوايا" الذي تم اختباره أكثر من مرة، بالإشارة إلى "التصرفات الإيرانية التي تعكس خلاف ذلك"، لافتاً إلى أن طهران استخدمت الاتفاق الذي وقعته إبان عهد إدارة أوباما كضوء أخضر لتغيير سياساتها واستراتيجيتها في الإقليم، ويظهر ذلك من خلال تدخلاتها في شؤون دول المنطقة وإنشاء الميلشيات وإحداث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، ومن ثم فإن "العودة لنفس الاتفاق لن تضمن استقراراً حقيقياً في ظل نظام عازم على تصدير الثورة، وفي حالة عداء كبيرة مع الدول المحيطة".
اختبار صعب
ويردف سليمان: "بالتالي ثمة اختبار صعب، ذلك أنه لابد من الوصول لمعادلة متوازنة، بحيث تتم العودة لشروط الاتفاق النووي بالإضافة إلى بعض الإجراءات التي تضمن التزام إيران، التي هي لو التزمت وخضعت لمثل هذه الشروط ستتحول لدولة عادية، بما يضرب في مقتل أدبيات الثورة الإيرانية". لكنه إجمالاً يعتقد بأنه قد لا يكون ثمة تحركات جذرية في ملف العلاقات الأميركية الإيرانية إلا بعد انتخابات 18 يونيو 2021 في إيران.
ومنذ الإعلان عن فوز جو بايدن أواخر العام الماضي 2020، بل وحتى قبل ذلك، عبّرت إيران عبر وسائل إعلامها وعديد من سياسييها ودبلوماسييها، ومن بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عن رغبتها في إجراء حوارٍ وعقد مفاوضات مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.
هذه المحادثات يقول عنها الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، علي عاطف، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" إنها "من الطبيعي أن تتطرق إلى عدة قضايا على رأسها إعادة التفاوض على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وإلى جانب ذلك إلغاء جزئي بنسب متفاوتة للعقوبات الأميركية على إيران، ولكن تلك المحادثات المرتقبة تقابلها عدة تحديات وفرص تحكم إمكانية نجاحها والمدى الزمني المتوقع أن تستغرقه".
البرنامج الصاروخي
أما التحديات، وفق تحليل عاطف، فتكمن في: رغبة الإدارة الأميركية الجديدة في التطرق إلى البرنامج الصاروخي الإيراني المثير للقلاقل، وهو أمرٌ ترفضه طهران ولكن بايدن يصر عليه، فقد أوضح أن إدارته وبالتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة سوف تشدد القيود النووية على طهران وتتصدى لبرنامجها الصاروخي.
كما أن الاتفاق النووي نفسه سوف يشهد دخول تعديلات جوهرية، ولن يظل كما كان عليه عام 2015؛ لأن العديد من الأطراف الدولية ترى أنه ناقصٌ ويحتاج إلى إدخال المزيد من القيود النووية على نشاطات طهران.
وسيكون هذا الأمر الأخير أكثر إلحاحاً بعد أن أقدمت طهران أوائل 2021 على رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة.
ومن بين التحديات التي يرصدها عاطف أيضاً مسألة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، وبالنظر إلى أن إدارة بايدن عبّرت عن رغبتها في منع إيران من إحداث توترات واضطرابات في المنطقة، ولن ترضى باستمرار هذه الأنشطة الإيرانية. فيما يشير إلى أن إيران لا يُتوقع أن ترفع يدها عن دعم الميليشيات في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن هذا الملف الأخير سيشكل تحدياً في المفاوضات المتوقعة.
العقوبات الاقتصادية
وعلى الناحية الأخرى، تبرز عدة عوامل يبدو أنها ستشكل دافعاً أو فرصة تعجل ببدء المفاوضات من بينها رغبة إيران في إلغاء العقوبات الاقتصادية عليها، والتي تخشى من أن تفجر الأوضاع الداخلية ضدها، لذا فإنها من المتوقع أن تتوق سريعاً إلى بدء المفاوضات.
ومن بين الدوافع الإيرانية تأتي رغبة طهران في الإفراج عن بعض أموالها في الخارج، أي الأصول المالية المجمدة، وقدوم الشركات الأجنبية للاستثمار في الداخل، بعد أن خرجت بعد مايو 2018.
ويعتقد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية بأنه "لن تكون المفاوضات أو المحادثات المرتقبة بين واشنطن وطهران سهلة أو حتى سريعة، بل إنها ستواجه صعوبات على أوجه عدة، أركانُها الرئيسية الأنشطة النووية الإيرانية وتحركات طهران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط".
أولويات أميركية
على الجانب الآخر، لا يعتقد المحلل المختص بالشؤون الإيرانية، علاء السعيد، أن تكون هناك فرص حقيقية للحوار في وقت مبكر، ويقول: "لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن أي حوار أميركي-إيراني، لا سيما أنه أمام الرئيس بايدن جملة من الإشكاليات مع روسيا والصين على سبيل المثال، تجعل من الصعب حدوث أي حوار في الوقت القريب، فضلاً عن المشكلات داخل المجتمع الأميركي، مثل تداعيات كورونا وارتفاع معدلات البطالة ومشكلات توفير اللقاح، وبالتالي على بايدن حل المشاكل الداخلية أولاً قبل الانتقال إلى الخارجية، وإن خرج إلى الملفات الخارجية فسيكون ملف روسيا والصين وجهته الأولى".
ويردف السعيد، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلاً: "بالتالي أعتقد بأنه من الصعوبة أن تبدأ مفاوضات مع الجانب الإيراني، ولو بدأت ستكون في مراحل لاحقة، وبناءً على أسس جديدة تماماً يحددها بايدن على نفس النهج السابق وبنفس أسلوب ترامب، بمعنى أنه لن تتم إزالة أي عقوبات"، لافتاً إلى ما يمثله الدور العربي من تأثير واسع، انعكس على الموقف الأوربي نفسه، حتى أن وزير خارجية فرنسا خرج بتصريحات أكد فيها أنه لابد من إضافة أسس جديدة للتفاوض تتضمن الصواريخ الباليستية، وهو نفس ما رددته حملة بايدن أثناء الانتخابات بأنه لن يتم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية.
أوراق ضغط بديلة
ويعتقد الخبير المختص بالشؤون الإيرانية، بأن "الوضع صعب بالنسبة لإيران التي سوف تسعى لاعتماد أوراق ضغط بديلة، بعد فقدانها ورقة قاسم سليماني، وكذا محسن فخري زادة، ويتبقى لديها ورقة الميلشيات العاملة في دول المنطقة، وحزب الله والحوثيين والحشد الشيعي والميلشيات المتواجدة في سوريا (..) إيران تسعى لأوراق تفاوضية جديدة منها أيضاً التوسع في بناء بعض المنشآت النووية".