"الآن لدينا صديق جديد في البيت الأبيض بعد أربع سنوات"، تصريحات ذات دلالة مهمة أدلت بها رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قبيل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، عبّرت عن حجم الرهان الأوروبي على علاقات وتعاون أطلسي مختلف مع واشنطن في عهد جو بايدن.
وجاءت التصريحات بعد أربع سنوات كاملة طغت فيها التوترات على تلك العلاقات في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما تنظر أوروبا إلى وجود بايدن بمثابة "منح حياة جديدة للتحالف الثمين للتعاون بين الجانبين"، وبوصفه "شريكا قديما وموثوقا".
وتلوح حاليا آفاق جديدة للعلاقات، مغايرة تماماً عما كانت عليه في عهد ترامب، فتنعكس تداعياتها على عديد من الملفات المُهمة والمؤثرة، بداية من تحقيق دفعة للتعاون الأطلسي، وعودة الولايات المتحدة لاتفاقات ومنظمات دولية، وحتى التنسيق في ملفات خارجية، من بينها قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط.
ويؤدي التغيير المرتقب إلى فتح الباب لمقاربات جديدة قائمة على أساس تلك العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين والتي يعتقد بعض المحللين بأنها كانت مُهددة إلى حد كبير ومباشر في عهد ترامب في ظل ما سادها من اضطرابات واسعة، مما دفع الاتحاد الأوربي الآن للدعوة إلى "تجديد شباب العلاقات مع واشنطن في عهد بايدن".
ملفات مهمة
يقول المحلل السياسي من واشنطن، عضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، إن "أوروبا تنتظر أن تعود العلاقات مع الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه قبل الرئيس ترامب، ذلك أنه خلال عهد ترامب كان هناك تعامل غير مرض للجانب الأوروبي، وفرض آراء على أوروبا وعدم تعاون في مسائل مهمة مثل الاتفاق النووي واتفاقية المناخ وغيرها من الأمور".
ويردف عفيفي في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلاً: "إدارة بايدن تتبنى سياسة عودة العلاقات الطبيعية والتعاون الاستراتيجي في جميع المجالات مع الجانب الأوربي، خاصة في المجالات العسكرية، مع إعادة دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإعادة الاتفاقات المشتركة مع أوروبا، وكذا رفع القيود والعقوبات التي تم فرضها على بعض البلدان الأوربية وعلى بعض البضائع".
ويشير في السياق ذاته إلى أن بايدن "سيعمل أيضاً على دعم الأوربيين ومحاولة تحسين العلاقات الأوروبية، كالمساعدة في تحسين وترتيب العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوربي، بعد ترامب الذي كان دائماً ما يحث بريطانيا على الخروج من الاتحاد".
وبشكل عام، يقول المحلل السياسي من واشنطن، إن "الرئيس ترامب كان يدفع بمسألة أميركا أولاً، حتى صارت أميركا وحدها"، في إشارة لتأثر علاقة أميركا بالحلفاء الاستراتيجيين في عهد ترامب، موضحاً في السياق ذاته أن "إدارة بايدن سوف تتعاون مع أوروبا، وستعود العلاقات الطبيعية والتعاون في الأمور كافة، كشركاء وليس كأنداد".
وتعبيراً عن ذلك التفاؤل، قال ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيبى بوريل، قبل تنصيب بايدن، إن "العلاقات مع واشنطن ستكون الآن أكثر إثماراً وإيجابية".
ويتبنى بايدن منهجاً سياسياً دولياً يستند إلى "التحالفات الاستراتيجية"، وهو ما عبر عنه خلال حملته الانتخابية، مما بدد مخاوف الأوربيين بشأن العلاقات المشتركة، لاسيما بعد ما ظهر من حرصه أيضاً على قوة واستقرار الاتحاد الأوربي بما يشكل ضمانة للأمن والاستقرار في العالم.
من "البزنس" إلى السياسة
يقول خبير العلاقات الدولية، طارق البرديسي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "أوروبا تنتظر الكثير من الرئيس الأميركي، وتنظر إليه كصديق، كما وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في إشارة لحجم التفاؤل الواسع بعودة العلاقات القوية بين أوروبا والولايات المتحدة في عهد بايدن".
ويلفت البرديسي، إلى أن "بايدن يختلف كلية عن سلفه ترامب، ذلك أن الرئيس الأميركي الحالي هو ابن المؤسسات الأميركية العريقة وابن البيروقراطية الأميركية، وشغل عدة مناصب مُهمة كان من بينها نائب رئيس الدولة، وله خبرات عريضة لعقود تؤهله إلى إعادة المياه لمجاريها مع الاتحاد الأوربي".
ويوضح خبير العلاقات الدولية، أن "بايدن يدرك أن الأوربيين هم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، بعيداً عن فكرة ترامب القائمة على أساس الأعمال (البزنس) فقط وإشاراته إلى دفع حلف الناتو ما سمّاه بالفواتير.
ويضيف أن بايدن يدرك قيمة الحلفاء والعلاقات القائمة على أساس سياسي وليس على أساس المال"، مشدداً على أن "عودة العلاقات بين ضفتي الأطلسي ضمانة كبيرة، ليس فقط لأوروبا، ولكن لريادة وقيادة الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى".
ويشير البرديسي، إلى أن من بين الخطوات العملية التي يتخذها بايدن في ذلك الصدد، ما يتعلق بالعودة لاتفاقات ومنظمات مع أوروبا انسحبت منها واشنطن إبان عهد الرئيس ترامب، على غرار اتفاق المناخ.
أسئلة
لكن في المقابل، يعتقد مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، توم حرب، بأن الرئيس ترامب اتبع سياسة عملية قوية في التعامل مع أوروبا، وفي "كشف العديد من البلدان في منظمة حلف شمال الأطلسي التي لا تدفع فواتيرها "، ومن ثمّ فإن جملة من الأسئلة تدور حول موقف بايدن من ذلك، وما إن كان سيعود ليغفر لتلك الدول ويتساهل في المسألة من عدمه، وانعكاس ذلك على مكانة الولايات المتحدة.
ويشير في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن ثمة ملفات ما يزال يحيطها الغموض مرتبطة بالعلاقة بين ترامب وأوروبا "ليس من الواضح كيف سيتعامل معها بايدن" من بينها ملف الاتفاق النووي.
ويردف قائلاً: إن التركيبة التي يقدمها بايدن للمسؤولين بإدارته جميعهم كانوا في عهد باراك أوباما، ومن ثم تُطرح أسئلة حول ما إن كان سيتبع بايدن نهج أوباما، خاصة في الملف الإيراني النووي، وما طبيعة الشروط التي سيعود بها للاتفاق بشكل واضح؟ وما موقفه من بند "غروب الشمس" في الاتفاق النووي، والذي تنتهي بموجبه القيود المفروضة على إيران بعد 15 عاماً من توقيع الاتفاق؟
نهج جديد
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية الأميركية في عهد بايدن، تقول مديرة مكتب الشرق الأوسط في واشنطن، هبة القدسي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "بايدن سيتبع نهجاً متعدد القطبية"، موضحة أن هناك العديد من التفصيلات المرتبطة بتعامل إدارة بايدن مع كل القوى الإقليمية والدولية المختلفة على حدة.
وتشير إلى أن إدارة بايدن ستتبع نهجاً متعدد القطبية فيما يتعلق بالمضي قدماً في علاقات تعاون مع الاتحاد الأوربي لمواجهة تحديات الفترة المقبلة، وأيضاً حل أزمات منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تهدئة الصراعات مع روسيا، والحرب التجارية مع الصين، مشيرة إلى أن "هناك تفاؤلاً بأن هذا النهج سيؤتي بثمار جيدة خلال العام الأول لإدارة بايدن".
وتوضح أنه في تعامله مع أزمات الشرق الأوسط، سيكون توجه بايدن في التعامل مع كل من منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربما يسعى إلى عقد مؤتمر سلام للأطراف كافة، من أجل وضع إطار إقليمي أو اتفاقات أو شكل تنظيمي مثل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي (..) كما سيكون هناك دفع أميركي لدول المنطقة لمناقشة القضايا المشتعلة مثل الصراع والحلول السياسية التي يمكن اتخاذها في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك فيما يتعلق بقضايا التطرف الطائفي والإيدلوجيات المتطرفة في المنطقة".