لم يجد طفل مغربي من قرية آيت عباس النائية بإقليم أزيلال، الواقعة بين ملتقى جبال الأطلس المتوسط والأطلس الكبير، سوى وسيلة التواصل الاجتماعي الفيسبوك لينشر فيديو استغاثة، يتوسل فيه كل من في قلبه رحمة، مساعدته وسكان منطقته المحاصرة بالثلوج، عبر إرسال الملابس الدافئة والأحذية، حتى يتمكنوا من مواجهة قساوة البرد والثلوج التي بلغت أكثر من 80 سنتمتر في مجموعة من المناطق الجبلية.
وعلى الرغم من أن هذا الفيديو لقي تفاعلا كبيرا من طرف العديد من الجمعيات والجهات التي ترغب في المساعدة، وأعيد نشره على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن سوء الأحوال الجوية واستمرار تساقط الثلوج بالمغرب، واستمرار حالة الطوارئ بسبب جائحة كورونا، تحول دون تلبية نداء هذا الطفل وأطفال آخرين من مناطق من العمق المغربي، مازالت الجهات المسؤولة بالبلد تحاول فك العزلة عنها بإزاحة الثلوج عن الطرق المؤدية إليها.
ولم يسلم الفريق الإعلامي للبرنامج الحواري المباشر "طريق المواطنة" بالقناة الأمازيغية المغربية من لعنة البرد والثلوج، وظل محاصرا في قرية "تعدلونت" بجماعة أغبالة إقليم بني ملال )وسط البلاد بمحاذاة سلسلة جبال الأطلس المتوسط(، ما دفعه إلى نشر فيديو استغاثة يرجو فيه من الجهات المختصة بالمنطقة التدخل بشكل عاجل حتى يتمكنوا من أداء مهمتهم الإعلامية.
لقد تسببت التساقطات الثلجية الأخيرة التي عرفتها المناطق الجبلية بالمملكة المغربية في قطع الطرق، وعزل العديد من المناطق الجبلية بالأطلسين الكبير والمتوسط، ما جعل ساكنة تلك المناطق في مواجهة مصيرها المحتوم، حيث توفيت امرأة حامل بمنطقة إملشيل الواقعة في قلب جبال الأطلس الكبير، نتيجة التأخر في إيصالها إلى المركز الصحي، رغم مجهودات السلطات المحلية لإزاحة الثلوج عن المسالك الطرق الجبلية الوعرة.
ومن أجل فك العزلة عن تلك المناطق الجبلية الوعرة، تحاول السلطات المغربية تزويد تلك المناطق ببعض ما تحتاجه من مأكل وملبس عبر المروحيات، ولكن يظل حطب التدفئة بعيد المنال بالنسبة إلى العديد من السكان بسبب ثمنه المرتفع في فصل الشتاء، حيث يكثر الطلب عليه. كما يقوم الهلال الأحمر المغربي بأمر من الأميرة للا مليكة رئيسة هذه المنظمة، بين الفينة الأخرى بتنظيم حملات توزيع ملابس جديدة من نوعية ممتازة وأغطية على العديد المواطنين، خاصة أولئك الذين في وضعية هشاشة لمساعدتهم على مواجهة موجة البرد القارس التي يعرفها المغرب، هذا بالإضافة إلى الكمامات الطبية للوقاية من جائحة كوفيد 19.
ولأن حس التضامن والتآزر ارتفع في السنوات الأخيرة بالمغرب، بفضل مجهودات العديد من الشباب والفاعلين الجمعويين، فقد نظمت الكثير من القوافل الإنسانية لفك العزلة عن المناطق الجبلية، ومساعدة ساكنتها على التنمية والتطور، وذلك بدعم من العديد من المنظمات والجمعيات الدولية عبر العالم. لكن في السنة الماضية وبداية هذه السنة، تعذر القيام بتلك القوافل الإنسانية بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، مثلما حدث مع "مجموعة شباب الخير للأعمال الخيرية" بالبيضاء، التي كان من المزمع أن تطلق قافلتها الإنسانية التضامنية التاسعة "محتاجينكم 9" نهاية الشهر الماضي، ولكنها بسبب وباء كورونا وحالة الطوارئ تم تأجيلها إلى نهاية شهر يناير الجاري.
وبهذا الخصوص يؤكد نجيب خويا رئيس "مجموعة شباب الخير" في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، أن الجائحة تسببت في تعثر العديد من الأعمال الخيرية، ومد يد المساعدة للفئات المحتاجة، وحدت من تنقل أفراد الجمعية الذين يسعون إلى تكريس قيم التضامن والتخفيف من معاناة الأشخاص المعوزين المتضررين من موجة البرد التي تعرفها العديد من المناطق الجبلية المعزولة بالمغرب، والذين تتكرر معاناتهم مع حلول فصل الشتاء، خاصة عندما يرتفع سمك الثلوج، الأمر الذي يؤدي إلى محاصرة قرى بأكملها وسط جبال الأطلس في ظل ضعف البنيات التحتية.
ويقول رئيس الجمعية إن "القافلة الإنسانية المقبلة ستشمل ثلاثة دواوير بإقليم دمنات بجبال الأطلس، وهي: دوار تيزي آيت عتو، ودوار إمين احزاين، ودوار ايمنسوان. وسنقدم خلالها لسكان المنطقة مجموعة من الملابس والأغطية والمواد الغذائية، كما سنساعدهم على مستوى تنمية المنطقة وتثمين منتوجهم المحلي، وتجهيز مؤسسة تعليمية بالطاولات والمستلزمات الضرورية للدراسة وأجهزة كهربائية للتدفئة، وذلك بعدما ساهمت جمعية شباب الخير السنة الماضية مع الجمعية الهولندية kids Sanad في بناء مراحيض وتوسيع ساحة مؤسسة تعليمية موجودة بأحد الدواوير بالمنطقة".
ويوضح نجيب خويا أن القافلة الإنسانية التاسعة، التي ستكون تحت شعار "بعطائكم شتاء دافئ للجميع"، تستفيد من دعم الجمعيات الدولية: الجمعية الفرنسية "أنت وأنا من أجلهم" Toi plus moi pour eux، والجمعية الهولندية kids Sanad، وجمعية التضامن للنقل الدولي، ومجموعة دير علاش ترجع، ومجموعة الأيادي الألمانية، وأن ذلك الدعم كله مخصص لمساعدة سكان المنطقة لمواجهة البرد والظروف القاسية، وتمكين النساء عبر فتح مركز لمحاربة الأمية، ومركز آخر متعدد الاختصاصات.