بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة بين مجلس الديانة الإسلامية بفرنسا، أعلى هيئة تمثيلية للمسلمين، والسلطات الرسمية، يوشك الطرفان على إقرار "ميثاق القيم الجمهورية'' والمصادقة على تأسيس "المجلس الوطني للأئمة''، في سياق التوجهات الفرنسية الجديدة نحو صياغة "إسلام فرنسي".
وقبل أسبوعين، قدم أعضاء مجلس الديانة الوثائق التأسيسية للمجلس الوطني للأئمة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع جمعهم، ليكون المجلس مسؤولا عن إصدار الاعتمادات لأئمة المساجد والخطباء في البلاد، أو سحبها منهم.
وطلب ماكرون من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما "ميثاقا للقيم الجمهورية"، يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الالتزام به، على أن يتضمن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدد أن الإسلام في فرنسا هو "دين وليس حركة سياسية"، وينص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" قال رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، محمد موسوي، إن العمل "يتقدم بشكل سريع في وضع الوثائق الإطارية للمجلس الوطني للأئمة، الذي تحددت أهدافه وفلسفته"، لافتا إلى أنه تم التصديق عليها من المجلس منذ منتصف نوفمبر، وكذلك "لوائحه الداخلية".
ولا يزال يتعين الانتهاء من المزيد من الجوانب الفنية مثل "التوصيف الوظيفي" للأئمة، الذين يحددون مهمتهم، وكذلك "عقود العمل" من قبل الجمعيات الداعمة للمساجد.
وتشارف مهلة الـ15 يوما التي منحها ماكرون لممثلي الهيئات الإسلامية في فرنسا، كي يضعوا "ميثاقا للقيم الجمهورية" على الانتهاء. ومن المتوقع أن يجري خلال هذا الأسبوع لقاء بين مجلس الديانة الإسلامية ووزير الداخلية جيرالد دارمانين لبحث المسألة.
وكشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في تقرير لها، الاثنين، عن اجتماع كان مقررا بين المجلس ووزير الداخلية جيرالد دارمانان، السبت 28 نوفمبر، لكن الوزير "المثقل بالأعباء" في أعقاب أحداث العنف التي اندلعت بسبب قانون الأمن الشامل، الأسبوع الماضي، جعلته "يؤجل الاجتماع في اللحظة الأخيرة."
وأشارت الصحيفة إلى أن ممثلي الهيئة الإسلامية "عملوا مع وزارة الداخلية بهدوء وبشكل سري على الانتهاء قريبا من هذه الوثيقة الأساسية لمستقبل الإسلام في فرنسا".
هل سيوقع الأتراك؟
ونقلت "لوفيغارو" في تقريرها عن مستشار في الإليزيه قوله، إن هذا "الميثاق الإطاري يهدف إلى محاربة الإسلام الراديكالي وتأثيراته الخارجية"، مضيفا أنه عند الاطلاع على من سيوقعون عليه ومن سيرفضونه، "سنعرف من هو في صف الجمهورية ومن ليس كذلك".
وكان ماكرون قد قال في 19 نوفمبر الماضي لممثلي الاتحادات التسعة، التي تشكل مجلس الديانة الإسلامية، إنه يعلم أن عددا منها لديه "مواقف غامضة من هذه الموضوعات"، مشددا على أنه من الضروري "الخروج من هذا الالتباس".
وحذر ماكرون من أنه "في حال لم يوقع البعض على هذا الميثاق، فسنستخلص النتائج"، مشيرا إلى أنه "أخذ علما بمقترحاتهم".
ومن بين الاتحادات الإسلامية المتحفظة على "ميثاق القيم الجمهورية"، "اللجنة التنسيقية لمسلمي تركيا في فرنسا"، وهي منظمة تابعة إداريا ومالياً للدولة التركية، وهي الفرع الفرنسي لرئاسة الشؤون الدينية التركية، وتدير نحو 300 مسجدا من جملة 2500 مسجدا وبيت صلاة في فرنسا.
كما تقوم هذه المنظمة بجلب 151 إماما سنويا من تركيا، حيث يتلقون تعليما دينيا، وتدفع أجورهم مباشرة من الحكومة التركية، وتدير كلية للتعليم الديني في مدينة ستراسبورغ (شرق) باللغة التركية.
ويتزعم التنسيقية رجل الأعمال التركي أحمد أوجراس، العضو في حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحد أقارب زوجة أردوغان.
وبفضل الدعم المالي والسياسي الذي حظي به لسنوات انتخب في 2017 رئيسا لمجلس رئيس الفرنسي للديانة الإسلامية، أعلى هيئة تمثل المسلمين في فرنسا، في خطوة اعتبرها مراقبون اختراقا تركيا غير مسبوق للساحة الفرنسية.
إلى ذلك كشفت "لوفيغارو" في تقرير أخر، عن حزمة الإجراءات التي تستهدف ما أسمته الحكومة الفرنسية بـ"المساجد الانفصالية".
وأعلن وزير الداخلية في الثاني من ديسمبر، عن أن أجهزة الأمن الفرنسية ستشن، طبقا لتوجيهاته، حملة وصفها "بالضخمة وغير المسبوقة ضد الفكر الانفصالي"، ستشمل تفتيش 76 مسجدا، مضيفا أن تلك "التي يجب إغلاقها سيتم إغلاقها".
وقالت الصحيفة إن الإجراءات ستشمل الاعتماد على فحص مضامين الخطب الدينية، وكذلك إجراء مراجعات دقيقة للسجلات الضريبية للجمعيات التي ترعى هذه المساجد، وإعادة فحص تمويلاتها داخليا وخارجيا.
وكان القضاء الإداري الفرنسي قد أقر، الأسبوع الماضي، قرارا حكوميا بإغلاق مسجد ضاحية "بانتان" الباريسية لمدة 6 أشهر، لأنه أعاد نشر فيديو على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، فيه تحريض على قتل المدرس صامويل باتي، على يد شاب شيشاني متطرف يبلغ من العمر 18 عاما، في 16 أكتوبر الماضي بمدينة كونفلان سانت أونورين، شمال باريس.
وكان جيرالد دارمانان قد أعلن خلال جلسة برلمانية، عن إغلاق السلطات 73 مسجدا ومدرسة خاصة ومحلا تجاريا منذ مطلع العام الجاري، لدواع تتعلق بـ"مكافحة التطرف".
ويأتي الإعلان عن هذه العملية الأمنية قبيل أيام من الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء، الأربعاء المقبل، للنظر في مشروع قانون يرمي إلى "تعزيز المبادئ الجمهورية" من خلال محاربة "الانفصالية" والتطرف الديني.