يعيش المهاجرون غير الشرعيين في فرنسا ظروفا صعبة، فتمتد معاناتهم لأعوام طويلة في بعض الأحيان، ولا يأتي الفرج، إلا عندما يتمكن بعضهم من الحصول على بطاقة الإقامة، سواء عن طريق الزواج أو عبر حملات منح الإقامة القانونية من طرف الدولة الأوروبية.
وعن هذه المشكلات تقول أمل؛ وهي مهاجرة جزائرية مقيمة في باريس منذ خمس سنوات، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، "حياة المهاجرين غير الشرعيين صعبة جدا".
ثم تضيف المهاجرة "لا حق لنا في العمل، وللحصول على شغل، نحتاج إلى معارف حتى يثق فينا المشغل. وفي حال حصلنا عليه نكون مطالبين بساعات عمل أطول ودخل شهري يقل بكثير عن القانوني. وليس لدينا الحق في الاعتراض أو التذمر، ما نعيشه شكل من أشكال العبودية".
وتضيف أمل أن التنقل بين المدن يصبح مستحيلا في بعض الأحيان، خصوصا عندما يتم تشديد الرقابة، وفي حال وقع المهاجرون غير الشرعيين في يد الشرطة تتم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.
وتضيف أن السكن يشمل أحد التحديات الكبرى للمهاجرين غير الشرعيين "كثيرون منا يعيشون في الشارع وآخرون ينامون في المستشفيات، بينما تستضيف الأسر المصحوبة بالأطفال بمراكز الإيواء في حالات الطوارئ. والبعض يلجأ إلى استئجار غرف صغيرة وتشاركها مع 4 أشخاص أو أكثر".
وتؤكد أن الوضع ازداد سوءا في مرحلة انتشار وباء كورونا، لأن المهاجرين لا يتمتعون بتعويضات ولا تأمينات، وهو ما دفعهم للعمل في تنظيف المستشفيات والتطوع من أجل تغطية حاجياتهم اليومية.
أما منصف، وهو مهاجر غير شرعي قادم من المغرب، فيحكي من جانبه لموقع "سكاي نيوز عربية" بأسى، "مر على تواجدي في فرنسا ما يقارب السنتين، كانت التجربة صعبة للغاية، ليست كما كنت أحلم أو كما يتصور الجميع، الجنة ليست فرنسا".
ويشرح منصف في حديثه أنه أقام لدى أحد أفراد أسرته خلال العام الأول من مجيئه إلى فرنسا، ولم يستطع العمل إلا خلال العام الثاني.
واشتغل في عدة مهن، لكنه لم يحصل على أجره في أغلب الأحيان، وتكمن المشكلة في عدم قدرته على تقديم شكوى إلى الشرطة، وبالتالي، فهو يطالب بمستحقاته في الخفاء فقط.
ويختم قائلا: "لا أنفي أننا نستفيد على الأقل من المساعدات الطبية، ونحصل على الأدوية مجانا، كما أننا لا ندفع سوى نصف أجرة وسائل النقل".
طرد وعنف
وعادت وضعية المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا إلى الواجهة بعد أن خلفت الطريقة التي تعاملت بها الشرطة مع المهاجرين غير الشرعيين خلال عملية طردهم من المخيمات التي أقاموها وسط باريس بداية الاسبوع الماضي استنكار العديد من المنظمات الإنسانية والأحزاب السياسية التي وصفت تصرف الشرطة بـ"الهمجي" و"الوحشي".
إذ قامت قوات الأمن الباريسية بطرد حوالي 500 مهاجر، معظمهم من الأفغان من خيمهم في منتصف ليل الاثنين من ساحة الجمهورية، مستعملة الغاز المسيل للدموع والهراوات.
وإثر ذلك أصدرت وزيرة المواطنة مارلين شيابا ووزير الإسكان إيمانويل وارجون، الثلاثاء 24 نوفمبر، بيانا أكدا من خلاله أن "المهاجرين يجب معاملتهم بإنسانية وأخوة". كما طلبا إيجاد حلول دون تأخير للأشخاص الذين يعانون من ضائقة.
والبيان أوضح كذلك أنه تم بالفعل توفير 240 سريرا من قبل محافظ منطقة "إيل دو فرانس"، في مركز الاستقبال ومراجعة الأوضاع الإدارية وهياكل الإقامة في حالات الطوارئ . وقبل ذلك كان قد تم إيواء 3000 شخص خلال عملية الإخلاء في سان دوني في 17 نوفمبر.
ومن جانبه أعلن وزير الداخلية، جيرالد دارمانان أنه طلب من المفتشية العامة للشرطة الوطنية، تقديم تقرير مفصل بشأن العنف الذي حدث أثناء إخلاء المخيم من قبل الشرطة، في غضون 48 ساعة. كما فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقا حول تعنيف مهاجر من قبل ضابط شرطة يظهر في مقاطع فيديو منشورة على الشبكات الاجتماعية.
دور المنظمات الإنسانية
وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، الطريقة التي أزيلت بها المخيمات في باريس، من بينها المنظمة الدولية "التحالف من أجل الحرية والكرامة".
وقال رئيس مكتب المنظمة في باريس، علي فينجيرو، في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إن العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة الفرنسية لتفريق طالبي اللجوء المخيمين في ساحة الجمهورية في باريس غير مبرر ولا يحترم الحق في التظاهر السلمي والتعبير، خاصة أن الصحفيين والمحامين الذين كانوا في الموقع لتغطية الحدث أو إظهار تضامنهم، لم يسلموا من العنف.
وأعرب عن قلق المنظمة إزاء تدهور حقوق الإنسان في فرنسا قائلا: "نحذر من تراجع الحقوق والحريات الأساسية التي تأسست الجمهورية الفرنسية الخامسة من أجلها، وندعو جميع منظمات حقوق الإنسان إلى توخي الحيطة والحذر للحفاظ على قيم الجمهورية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها فرنسا".
مواقف اليمين واليسار
وفي الوقت الذي اعتبرت أحزاب اليمين واليمين المتطرف أن عنف الشرطة مبرر لعودة الأمور إلى نصابها، اعتبرت أحزاب أخرى أن تلك الأفعال لا تمثل قيم الجمهورية؛ ومن بينها الحزب اليساري "فرنسا غير الخاضعة" الذي قال نائبه إريك كوكريل في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن هناك واقعا يفرض نفسه في فرنسا، خلال السنوات الأخيرة.
ويشرح رأيه قائلا، "اطلعت على التقرير الذي تم رفعه لوزير الداخلية، قيل فيه إن العنف المفتعل من طرف عناصر الأمن فردي، لكن أنا أعتبره تنصلا من المسؤولية السياسية، لأن المهاجرين نصبوا خيامهم بشكل سلمي، و كانوا سيمضون الليلة ثم يرحلون في سلام، لماذا تم الأمر بتوجه الشرطة لإخلاء المكان ومنع الصحفيين من التصوير؟ لا أبرئ أحدا من مسؤولية ما جرى".
نقطة ضوء
تم إنشاء جمعية "المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين"، الصيف الماضي، من طرف مجموعة من المتضامنين مع القضية والمهاجرين غير الشرعيين نفسهم، مباشرة بعد مسيرة مؤازرة للمهاجرين في 30 مايو 2020، نتيجة الوضعية المزرية التي يعيشونها خلال الحجر الصحي.
وتقول ليلى بنداش، إحدى العضوات المؤسسات للجمعية في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الجمعية تأسست بالصدفة، بعد أن كانت مجرد تجمع يضم 55 ألف عضو.
وكان أول تحرك رسمي للتجمع تنظيم مسيرة مشيا على الأقدام في اتجاه الإليزيه، في 17 أكتوبر، شارك فيها مئات الألاف من المهاجرين الذين انطلقوا من مدن فرنسية عدة من بينها ليون، ومارسيليا، وليل، ومونبلييه، طلبا لتسوية الوضعية، وغلق مراكز الترحيل نحو البلد الأم وتوفير سكن لائق.
وبحسب الناشطة المدنية، نظمت الجمعية مظاهرة خلال اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الأربعاء الماضي، من أجل تسليط الضوء على ما قد تتعرض له المهاجرة غير الشرعية من مقايضة جنسية، لأجل الحصول على عمل أو سكن، أو حتى من أجل سد رمق بلقمة خبز حاف.
وحول عملية طرد المهاجرين غير الشرعيين الأخيرة من المخيمات في باريس، أوضحت ليلى أنها حضرت العملية التي شبهتها بالكابوس.
وتتابع: "وصلنا قبل الشرطة إلى المكان، كان في المخيمات أطفال وشيوخ ونساء إلى جانب الشباب، غابت كل الاحترازات الصحية ضد وباء كورونا. يعاني المهاجرون من الجوع والعطش والبرد. وأكثر ما فاجأني في المعسكر أنه كان يضم مهاجرين مغاربيين إلى جانب اليمنيين والأفغان والسوريين. وبمجرد وصول الشرطة تم منع الصحفيين من التصوير".