وصلت الحرب التي تقودها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأكراد، إلى حد منع مسرحية باللغة الكردية بعنوان "بيرو"، بحجة أنها تروج لأفكار حزب العمال الكردستاني المحظور، مما أثار عاصفة من الانتقادات.
مسرحية "بيرو"، هي ترجمة كردية لمسرحية "الأبواق والتوت البري" للكاتب الإيطالي داريو فو، التي ترجمت للغات عديدة منها التركية، وعرضت في بلدان كثيرة حول العالم.
وأدرجت المسرحية خلال أكتوبر الماضي، في برنامج المسرح البلدي في إسطنبول، الذي يضم عشرات القاعات الموزعة في كافة أنحاء المدينة، والمؤسس عام 1914.
وتؤدي المسرحية الفرقة المستقلة "تياترا جيانا نو" أو "مسرح الحياة الجديدة".
وكان من المقرر أن تكون المسرحية باللغة الكردية الأولى في تاريخ تركيا الحديث، التي تعرض في مسرح إسطنبول البلدي، بحي غازي عثمان باشا.
لكن قرار المنع يبدو أنه يتعلق بالفرقة التي تؤديها، أكثر من مضمون المسرحية، إذ إن السلطات تأخذ على الفرقة المسرحية انتماءها إلى مركز ثقافي، تزعم أنه قريب من الحزب المحظور.
تناقض سافر
وانتقد رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، منع المسرحية، مشيرا إلى سماح الحكومة لعثمان أوجلان شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، بالإدلاء ببيان على شاشة التلفزيون العام الماضي.
وقال إمام أوغلو في تصريح صحفي: "مسموح لعضو جماعة إرهابية مطلوب ضمن القائمة الحمراء أن يدلي بتصريح على شاشة التلفزيون، لكن يمنع تقديم مسرحية باللغة الكردية. هذا غير مقبول".
وتابع: "تم عرض هذه المسرحية في أجزاء مختلفة من اسطنبول 20 أو 30 مرة في السابق، أين كانت الحكومة حتى اليوم؟".
كما قالت المتحدثة باسم لجنة سياسات التعليم والرياضة والثقافة والفنون لحزب الشعوب الديمقراطي سفتاب هانلي، في بيان، إن "مسرح الحياة الجديدة قد ترك بصمته على الكثير من الأعمال الناجحة".
واعتبرت أن الذين وقعوا قرار الحظر "لن يستطيعوا منع اللغة الكردية والمسرحية الكردية".
ودعا مخرج المسرحية نظمي كرمان، عبر "تويتر"، الفنانين الأتراك إلى التضامن مع فرقته المسرحية.
وقال: "حازت مسرحيتنا على جائزة في مهرجان المسرح الدولي لبلدية موسكو. لقد التقينا جمهورنا في أماكن مختلفة في أوروبا وتركيا في السنوات الثلاث الماضية".
وأضاف: "حظر مسرحية داريو فو في هذا العصر عار على كل مجتمعات المسرح والفن. ندعو جميع الفرق المسرحية في تركيا للتضامن باسم الفن والحرية، ونتوقع منهم رفع أصواتهم ضد هذا الحظر التعسفي".
ولم يتوقع الممثل عمر شاهين أن يتم عرض المسرحية التي يشارك فيها، وقال: "حصلت حالات مماثلة في التسعينات، لكننا كنا نعتقد أن هذا أمر مضى عليه الزمن".
منع متكرر
جهاد أكينجي ممثلة مسرح الحياة، قالت لموقع "سكاي نيوز عربية": "مُنِعت مسرحيتنا (بيرو) من العرض مرتين، ولدينا أيضا مسرحيات تم منعها من قبل".
وتابعت: "بالطبع هذه المرة هناك العديد من أسباب المنع، فبعد موافقة بلدية إسطنبول على عرض المسرحية، تعرضنا لعملية استهداف من طرف ووسائل الإعلام الموالية لها، مما أدى لحظرنا في النهاية".
ورأت أن سبب منع المسرحية يعود إلى "تسلط الحكومة المتزايد"، معتبرة أن السلطات تستهدف كل الذين يختلفون معها في التفكير، وليس الأكراد فحسب، وتابعت: "نددت الفئات المضطهدة (في تركيا) بقمع المسرحية".
وقالت إن استهدف المسرحية يأتي ضمن عملية أوسع ترمي لقمع اللغة والثقافة الكرديتين، لدرجة أنه كان هناك عقاب لمن يستخدم الكلمات الكردية فيما مضى.
عزل أكراد وسجنهم
وتتشعب الحملات القمعية التي أطلقتها حكومة أردوغان ضد أكراد بلاده، فتم عزل رؤساء بلديات رغم أنهم وصلوا إلى مواقعهم عبر صناديق الاقتراع، بذرائع الإرهاب، ووصل الأمر إلى اعتقال زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش، الذي لا يزال قابعا خلف القضبان منذ 4 سنوات.
ورغم أن المحكمة الدستورية قضت قبل 4 أشهر بأن حقوق دميرتاش قد انتهكت، فإن السلطات أبقت على احتجازه.
ودميرتاش، المرشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، مسجون منذ نوفمبر 2016 على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، لكن جماعات حقوقية تقول إن الإمر له خلفية سياسية.
ورأى البرلمان التركي هوشيار أوزسوي، أن منع المسرحية الكردية "أمر سخيف"، خاصة أنه سبق عرضها في عدة مسارح في تركيا عام 2018، لكن "خلال الشهرين الماضيين تم منعها فقط لأنها باللغة الكردية".
وتابع أوزسوي لموقع "سكاي نيوز عربية": "إننا الآن نشهد حالة من تراجع الحقوق الثقافية، مع تصاعد القوميين الأتراك وتزايد نغمات العنصرية. هذه ليست عنصرية ضد الأكراد فقط (..)".
اتهامات بالية
وتقول زينب محمد، وهي ممثلة ومخرجة مسرحية كردية: "وصل تسلط الحكومة التركية باتهام مسرحية نصها إيطالي بأنها تروج لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، رغم أنها كتبت عام 1970 أي قبل ظهور الحزب بثمانية أعوام".
وقالت لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "المشكلة ليست بفكرة النص، إنما في اللغة الكردية التي تتبجح الحكومة بالحديث عن الحرية الواسعة في استخدامها، لكن الواقع غير ذلك".
ومنذ محاولة الانقلاب في صيف عام 2016، شددت الحكومة التركية من قمعها للأوساط السياسية والثقافية الكردية، كما أدى فشل عملية السلام وتجدد النزاع بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني في عام 2015، إلى تشديد أنقرة قبضتها على المنظمات الكردية.