قبل 4 أيام، أحيت فرنسا الذكرى الخامسة لاعتداءات باريس الإرهابية التي كانت الأكثر دموية في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، فنظمت تكريما للضحايا الـ130 في مراسم خاصة، وسط تشديدات أمنية كبيرة.
وجرى هذا التكريم الفرنسي، بعد أسابيع قليلة على هجوم نيس الإرهابي ومقتل أستاذ التاريخ والجغرافيا سامويل باتي ذبحا.
فهل فرنسا مستهدفة بشكل أكبر من طرف التيارات المتطرفة مقارنة بباقي الدول الأوربية؟ وما الأسباب وراء هذا الاستهداف؟ وكيف تواجهه السلطات؟
أصبحت فرنسا، اليوم، منهكة من جراء العمليات الإرهابية التي أدت إلى مقتل حوالى 250 شخصا وجرح المئات، خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وكشف المدير العام للأمن الخارجي الفرنسي، برنارد إيمييه، والمدير العام للأمن الداخلي نيكولاس ليرنر، في حوار مع جريدة "لو فيغارو" نهاية الأسبوع الماضي، عن تقييم يوضح أنه منذ عام 2015 تعرضت فرنسا لـ20 هجوماً، فيما باءت 19 عملية إرهابية بالفشل.
ومنذ عام 2013، تم إحباط 61 مشروعًا إرهابيا، من خلال العمل المنسق لأجهزة مكافحة الإرهاب.
وعادت الجراح لتفتح قبل اندمالها، بإحياء فرنسا ذكرى هجمات شنّها تنظيم داعش في 13 نوفمبر 2015، استهدفت مواقع عدة في باريس وضواحيها، منها محيط ملعب "ستاد دو فرانس" ومسرح "باتاكلان".
وهذه المراسم بدورها تأتي بعد أياما قليلة من هجومي باريس ونيس. إذ أقدم شاب شيشاني في باريس على ذبح المدرس سامويل باتي الذي عرض رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد كانت قد نشرت بصحيفة "شارلي إبدو"، وبعدها بحوالي الأسبوع، قتل ثلاثة أشخاص في هجوم بسكين داخل كنيسة بمدينة نيس.
لماذا أصبحت فرنسا في دائرة الاستهداف؟
يقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس، عادل اللطيفي، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، "نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة دخلت فرنسا في سياسة مقاومة الجماعات المتطرفة في كل من سوريا ومنطقة جنوب الصحراء، خصوصا مالي التي انهارت في فترة معينة، مما سمح بظهور تيارات متطرفة، واجهتها فرنسا عسكريا في ظل تراجع أميركي عن هذه المقاومة في عهد الرئيس دونالد ترامب، وهذا الأمر زاد من تأجيج المتشددين ضدها.
من ناحية أخرى، يضيف أستاذ التاريخ المعاصر، أن العلمانية وفصل الدين عن الدولة تشكلان أهم قيم ومبادئ الجمهورية، وهذا الأمر يزعج الجماعات المتطرفة التي تعتبر أن العلمانية لا تتوافق مع الدين الإسلامي.
ويتابع في هذا الشأن: "هذا يذكرنا ربما بالاتحاد السوفياتي الذي كان مستهدفا بدوره في ثمانينيات القرن الماضي بسبب مزاعم دعمه للإلحاد حسب ما كانت تدعيه التيارات المتطرفة آنذاك".
ويعتبر اللطيفي ملف الهجرة من العوامل المساهمة بدوره، لاسيما أن فرنسا باب مفتوح للهجرة إلى جانب بلدان أخرى مثل إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
ويوضح قائلا: "أغلب هذه البلدان استهدفت إرهابيا وهي بلدان مفتوحة على الهجرة، هذا لا يعني أنها سبب رئيسي، لكن في المقابل، هذا لا ينفي أن التيارات المتطرفة تستغل هذا العامل لصالحها. ومن الممكن أن نلاحظ الاستقرار الذي تعرفه الدول الإسكندنافية التي تغيب عن الساحة السياسية العالمية كما أنها تستقبل أقلية من المسلمين، يمكن لتيارات الإسلام السياسي أن تستغلها".
الكل متضرر
"فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تتعرض لتهديد إرهابي"، هذا ما جاء في حديث المدير العام للأمن الخارجي، برنارد إيمييه، مع جريدة "لوفيغارو"، ويسترسل أن التهديد يلقي بظلاله على جميع الدول دون استثناء كما أظهره هجوم فيينا مؤخرًا.
ويؤكد أن الاتحاد الأوروبي يقود معركة جماعية وجب تقوية الروابط فيها لكسب الحرب ضد الإرهاب.
في المقابل، يضيف أن خطر وقوع هجوم من قبل الجماعات الإرهابية المتمركزة خارج حدود فرنسا انخفض ولكنه باق. خصوصا أن التهديد الإرهابي قد تغير وأصبح أكثر تعقيدًا لتوقعه.
ووفقا لنيكولا ليرنر "التطرف يتطور من خلال الدعاية الإرهابية التي لا تزال مرنة على الشبكات الاجتماعية، كما لم يعد هناك ملف نموذجي للمقاتل الإرهابي، الذي يمكن أن يكون سجله الإجرامي ومستوى تشبعه الديني متغيرًا للغاية".
محاربة التطرف في فرنسا
وبعد الهجمات الأخيرة، عملت فرنسا على حل جمعيات متطرفة، كما بادرت إلى طرد المتطرفين من البلاد، وفي هذا السياق قام وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، بزيارة إلى تونس والمغرب والجزائر في شهر أكتوبر الماضي، قدم خلالها للسلطات قائمة بمواطنيها الموجودين في وضع غير نظامي والمشتبه في كونهم متطرفين وترغب فرنسا في طردهم.
ووفقًا لوزارة الداخلية الفرنسية، يوجد في فرنسا 231 أجنبيًا في وضع غير شرعي، مدرجين على قائمة التطرف، من بينهم حوالي 60 تونسيًا، ونفس العدد يمثله المغاربة وعدد أكثر بقليل من الجزائريين، تنظر فرنسا إلى ترحيلهم باعتباره أولوية.