بعد أسبوع من إعلان فوز الديموقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وبينما لا يزال الرئيس دونالد ترامب يرفض الاعتراف بالهزيمة، تصاعدت حالات الإصابة بفيروس كورونا لأكثر من 160 ألف حالة يومية جديدة في الولايات المتحدة.
وعادت الضغوط الاقتصادية لتلوح في الأفق مع غياب حزمة تحفيز جديدة من الكونغرس، لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي فرضها الوباء، وسط فشل مفاوضات التحفيز بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في "الكابيتول هيل"، وتوقف المحادثات بين رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، ووزير الخزانة ستيفن منوتشين.
ومن المقرر أن ينتهي برنامجان مهمان لإدارة البطالة في نهاية العام، مما قد يترك ملايين الأميركيين العاطلين عن العمل عرضة للإخلاء، كونهم غير قادرين على تسديد إيجارات منازلهم.
وفي الوقت نفسه يخطط المعسكر الجمهوري في الكونغرس للتقدم ببطء على مسار تدابير الإغاثة الإضافية في البلاد، خصوصاً مع الجدل الواسع الحاصل بشأن نتائج الانتخابات، واعتبار ترامب، ومناصريه من خلفه، أن هناك تزويرا وقع بالفعل في هذه الانتخابات.
ورغم أن الاقتصاد الأميركي قد أضاف وظائف جديدة لسادس شهر على التوالي، وبأعلى مما توقعه المحللون (638 ألف وظيفة خلال شهر أكتوبر) مما أدى إلى تراجع خجول بمعدل البطالة، إلا أن اقتراب انتهاء البرامج الفيدرالية الطارئة لمساعدة العاطلين عن العمل بسبب الوباء نهاية العام، زاد من مخاوف المراقبين والمحللين حيال القادم من الأيام، خصوصاً أن أكثر من شهرين مازالا يفصلان تسلم الرئيس الجديد لمهامه رسمياً في البيت الأبيض.
المساعدات الإغاثية بمواجهة الوباء
وكان مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، قد أقر في أوائل أكتوبر مشروع قانون إغاثة بقيمة 2.2 تريليون دولار، بيد أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أصروا على حزمة مساعدات إغاثية تقل عن تريليون دولار، وفشلوا في دفع مشروع قانون حزمة بقيمة 500 مليار دولار في أكتوبر الماضي.
وجدد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السناتور عن ولاية كنتاكي ميتش ماكونيل، مساعيه من أجل التوصل إلى حزمة إغاثة "مركزة"، وندد باقتراح الديمقراطيين واصفا إياه بأنه "سخيف" و"اشتراكي".
وقال ماكونيل في تغريدة على تويتر "بلدنا بحاجة إلى إغاثة أكثر ذكاء وتركيزا تستهدف المدارس، والرعاية الصحية، والشركات الصغيرة وأولئك الذين يتضررون أكثر من غيرهم".
ورغم كل التصريحات، لا يزال القلق يعم الشارع الأميركي بشأن مصير حزمة المساعدات من جهة، وارتفاع حدة جائحة كورونا من جهة أخرى.
وقد غرد الباحث آشي جحا: "أنا قلق للغاية بشأن الجائحة اليوم لأن الفجوة أكبر من اي وقت مضى بين مدى خطورة ما يجري، وقلة ما نفعله. تفصلنا أشهر عن اللقاحات الآمنة والفعالة المتوفرة على نطاق واسع، لكن خسارة الآلاف من الناس أمر مأساوي للغاية".
وبلغ معدل البطالة في نهاية اكتوبر الماضي 6.9%، مقارنة بـ4.7% عندما تولى دونالد ترامب منصبه.
وتراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 0.8٪ منذ بداية عام 2020، مع انهيار قطاعات المطاعم والملابس والأثاث. ووفقاً لاستطلاعات أجريت مؤخراً، يتوقع 40 في المئة من أصحاب المطاعم في جميع أنحاء البلاد إن يضطروا للتوقف عن العمل بحلول شهر مارس، إن لم يتم إقرار حزمة مساعدات حكومية جديدة .
ووفقًا لإدارة أمن النقل، لم تسترد شركات السفر حتى نصف أعمالها، إذ تم فقدان ما يقرب من 4 ملايين وظيفة في صناعة السفر خلال الوباء، ويمكن أن يختفي مليون إضافي بحلول نهاية العام .
وقالت أكبر مجموعة لصناعة الفنادق في الولايات المتحدة إن فندقين من كل ثلاثة فنادق في البلاد لن يستمرا بالعمل 6 أشهر أخرى، إن لم يتم إقرار مساعدات، كما يبقى من غير المتوقع انتعاش هذه الصناعة قبل عام 2023.
القطاعات الصناعية بانتظار المساعدات
وقال كبير الاقتصاديين في موقع "ويب كومنت" وشركة نشر الوظائف، جيد كولكو إنه "لا يزال أمام سوق العمل طريق طويل للتعافي إلى ما كان عليه قبل الوباء. انخفضت العمالة في جميع الصناعات تقريبًا، وانخفضت بشكل كبير في الصناعات التي تعتمد على السفر والتجمعات الكبيرة".
وأعلنت شركات الطيران الكبرى عن إمكانية تسريح عشرات الآلاف من الموظفين بحلول نهاية العام بعد انتهاء برامج المساعدات الفيدرالية. وحذرت هيئة النقل الحصرية في مدينة نيويورك من تسريح ما يصل إلى 8 آلاف موظف. ومن بين 100 ألف عامل في صناعة الحافلات الخاصة، تم تسريح ما يصل إلى 80 ألفا بالفعل.
ووفقًا لبيتر بانتوسو، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "أميركان باص"، قد يفقد ما يصل إلى 30 ألفا من موظفي الشركة وظائفهم بشكل نهائي خلال الأشهر المقبلة، إن لم يكن هناك دعم فيدرالي.
صراع الحزبين والتحديات أمام بايدن
ولم يرافق فوز الديمقراطي جو بايدن ضمان الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ، إذ لا يزال هناك مقعدان لم تُحسم نتيجتهما بعد في ولاية جورجيا سيتنافس عليهما المرشحان الديمقراطيان والجمهوريان في جولة إعادة ستجري في الخامس من يناير، علماً ان أي جهود لتأمين جولة أخرى من المساعدات تعتمد على تلك الجولة، وإلى من سترجح الكفة.
فإذا نجح الديموقراطيون في الفوز بهذين المقعدين، ينقسم عندها مجلس الشيوخ إلى 50 نائبا جمهورياً و50 نائبا ديمقراطياً، لكنّ نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس التي يمنحها الدستور بحكم منصبها هذا صفة رئيسة مجلس الشيوخ يمكنها أن تحضر أي جلسة تريد وأن تصوّت فيها لترجّح كفّة حزبها.
ومع ذلك، وإذا ظلت بقية الاغلبية الراجحة بيد الجمهوريين فإن الأمور ستختلف، فقد أعربوا بالفعل عن مخاوفهم بشأن ارتفاع عجز الميزانية قبل الانتخابات.
وقال ميتش مكونيل، في وقت سابق، إنه يجب تمرير إجراءات المساعدات قبل نهاية العام، لكن الآن من غير المعروف وفي أعقاب انتخابات أثارت الكثير من اللغط، كيف ستتجه الأمور؟ وما إذا كان الحزب الجمهوري سيدعم هذا الإجراء ويعبد الطريق أمام الرئيس الجديد أم لا؟ علماً بأن ترامب قد كرر مرارًا أنه سيواصل حزمة تحفيز ضخمة بعد الانتخابات، وأنه سيفعل ذلك بعد استعادة الجمهوريين لمجلس النواب.
والآن، وبعدما خسر، يتوقع المراقبون أنه قد يعرقل خطوات خلفه جو بايدن قبل دخوله البيت الأبيض.
ويبدو أنه كلما تأخرت حزمة المساعدات كلما زاد التهديد على الاقتصاد وكلما صعبت مهمة بايدن، الذي يرث اقتصادًا أميركيًا مشوهًا لم يتعاف تمامًا من فيروس كورونا. ويعاني مجدداً مع تزايد عدد الإصابات خلال فصلي الخريف والشتاء، ولن يلتئم ذلك بسهولة حتى بعد إطلاق اللقاح. علماً بأن هذا اللقاح لن يتم تعميمه على نطاق واسع قبل أشهر عدة.
والتحدي الذي سيواجهه بايدن ليس فقط حجم أي حزمة مساعدات، ولكن أيضاً ما إذا كانت تساعد حكومة الولايات والحكومات المحلية للولايات للحصول على عائدات ضريبية، وما إذا كان يمكن تمريرها بسرعة كافية لمساعدة العائلات الأكثر احتياجًا.