أعلن وزير المالية التركي، برات البيرق عن استقالته من منصبه بحجة أوضاعه الصحية، فيما ذكرت مصادر من الحزب الحاكم أن الاستقالة جاءت بطلب من الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد تدهور الاقتصاد التركي وانهيار سعر الليرة.
وفي بيان نشره على حسابه في تطبيق إنستغرام، قال بيرات البيرق: "بعد تولي حقائب وزارية على مدى خمس سنوات تقريبا، قررت التوقف عن ممارسة مهامي (كوزير للمالية) لأسباب صحية".
ولم يهمل البيرق في بيان استقالته، الإشارة إلى تعرضه لنوع من الظلم والحملة المغرضة. فيما أكدت مصادر من داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن الاستقالة جاءت بناء على طلب من أردوغان.
لم يشفع على ما يبدو للبيرق صلة القرابة التي تجمعه بالرئيس، فهو صهره والرجل الثاني في الحزب، إذ كان يعده أردوغان ليكون خلفا له، وهو الذي قاد دفة الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية.
وجاءت استقالة البيرق بعد يومين من إقالة أردوغان محافظ البنك المركزي الذي عينه البيرق قبل 16 شهرا، وتعيين وزير المالية الأسبق مكانه، وذلك بعد تدهور سعر الليرة التركية التي فقدت 42 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الجاري.
ومعروف أن محافظ البنك المركزي الجديد هو الرجل الذي كان يعتمد عليه أردوغان في شؤون الاقتصاد قبل تولي البيرق الوزارة، في إشارة إلى قبول أردوغان فشل صهره في قيادة دفة الاقتصاد، والحاجة إلى رجل خبير لتصحيح المسار.
هذه التطورات جاءت أيضا بعد تململ عدد من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وشكواهم للرئيس من حرجهم الشديد أمام الناخبين بسبب ما آل إليه الاقتصاد التركي، حيث عقد أردوغان اجتماعا مع هؤلاء النواب، حضره البيرق في مجلس خاص.
وفشل البيرق في الإجابة على أسئلة النواب وانتقاداتهم، وأصر على أن الاقتصاد في أحسن أحواله، وأن ما يقال عن تدهوره ما هو إلا "حملة دعائية كاذبة" تقودها المعارضة بدعم من أطراف أجنبية.
ويبدو واضحا أن الحلول الترقيعية التي كان يعتمد عليها البيرق للتستر على الوضع الحقيقي للاقتصاد التركي ما عادت قادرة على إخفاء الحقيقة، فالمواطن يلمس غلاء الأسعار وزيادة الضرائب وتراجع قيمة العملة، وما عادت البيانات والشعارات كافية لإقناعه بأن ما يعيشه وهم.
وفي سبتمبر الماضي، نددت أحزاب المعارضة وسياسيون في تركيا، بالبرنامج الاقتصادي الجديد الذي أعلنه ألبيرق، معتبرين أنه عبارة عن "أكاذيب ممنهجة".
وكان صهر أردوغان قد كشف عن ملامح البرنامج الاقتصادي الجديد في تركيا، الذي سيستمر لثلاث سنوات، لينال وابلا من الانتقادات من أكبر أحزاب المعارضة في البلاد.
وحينذاك، قال سليم تيمورجي، المتحدث باسم حزب المستقبل، الذي أسسه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داودأوغلو، في سلسلة من التغريدات على حسابه في تويتر، إن ألبيرق "أظهر كيف أن الكذب أصبح ممنهجا في الحكومة".
وأشار تيمورجي إلى أن ألبيرق "لم يعترف بالفشل أو يعتذر للأمة"، في الوقت الذي تراجعت فيه الليرة إلى مستوى قياسي.
وأضاف: "الجميع يعلم أنه (ألبيرق) تسبب في إفلاس الاقتصاد التركي، وأن أيا من الأرقام التي أعلنها ليست صحيحة. الجميع يعلم أنه لن يتحسن أي شيء في هذا البلد، قبل أن يرحل ألبيرق ومن يبقونه في المنصب"، وفق ما ذكرت موقع "أحوال" التركي.
من جانبه، تحدث زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، في تغريدة عن ارتفاع معدلات البطالة في تركيا، وارتفاع أسعار صرف الدولار واليورو، وتراجع الاستثمارات. وأضاف: "تركيا لم تعد محكومة.. تركيا تتشتت".
أما زعيمة حزب "الخير" التركي المعارض، وزيرة الداخلية السابقة، ميرال أكشينار، فقالت إن حزب العدالة والتنمية الحاكم روج لسنوات لأهداف عظيمة لتركيا، "لكنه اعترف اليوم من خلال البرنامج الاقتصادي الجديد، بأن أهداف عام 2023 كانت هراء. إنه لأمر مؤسف لأحلام أمتنا".
استقالة أو إقالة البيرق.. تعني أن نار الأزمة الاقتصادية وصل إلى أردوغان، وتسبب في أزمة بينه وبين أكثر من يثق بهم في حزبه.
وحتى لو عوض أردوغان صهره بمنصب آخر كمستشار للرئيس أو نائب له، فإن هذا لن يمحو حقيقة أن أردوغان أصبح اليوم في أزمة، بعد أن انفض عنه جميع من كانوا معه من قيادات حزبه، وانشقاقهم وتشكيلهم أحزابا معارضة.
واليوم يصل الخلاف إلى قمة الهرم السياسي، مما سيكون له تداعيات جسيمة على استقرار حكم أردوغان.