يزور وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، نهاية الأسبوع، كلا من تونس والجزائر، في أول زيارة له في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي نفذه تونسي في مدينة نيس جنوبي البلاد، وأودى بحياة ثلاثة أشخاص الأسبوع الماضي.
وكان قصر الإليزيه قد أعلن أن "الرئيس إيمانويل ماكرون طلب من وزير الداخلية التوجه إلى تونس هذا الأسبوع للقاء نظيره التونسي لبحث مكافحة الإرهاب".
وتكتسي زيارة الوزير الفرنسي أهمية كبيرة، والتي سيلتقي خلالها بنظيره التونسي ومسؤولي أجهزة الأمن والإستخبارات، و''لتبادل وجهات النظر من أجل الحصول على مزيد من المعلومات''، بحسب ما صرح به يوم الاثنين.
وقال دارمانان إن الرئيس ماكرون ''تحدث مع نظيريه التونسي والجزائري، لنتمكن من التوافق على إعادة عدد معين من الأشخاص يحملون جنسية هاتين الدولتين ويُشتبه في أنهم متطرفون في بلدنا".
وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي قد طلب، السبت، من وزيري الداخلية والعدل التعاون مع السلطات الفرنسية لكشف ملابسات الهجوم الإرهابي في مدينة نيس.
وبدأ القضاء التونسي في التحقيق حول ما إذا كان هناك متعاونون من تونس مع منفذ الهجوم إبراهيم العويساوي. وكان المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، محسن الدالي، قد كشف في وقت سابق عن أن العويساوي لم تكن له سوابق إرهابية في تونس بخلاف تورطه في قضايا حق عام بسبب ممارسته للعنف.
وفي أعقاب حادثة ذبح المدرس صامويل باتي، أعلن وزير الداخلية ، جيرالد دارمانان أن هناك 231 أجنبيًا يقيمون بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية متهمون بالتطرف ويجب طردهم، من بينهم 180 معتقلا في السجن حاليا. كما كشف الوزير عن تسجيل 851 مهاجرا غير شرعي في ملف الإنذارات لمنع التطرف.
ملفات أمنية
ويرى الأكاديمي التونسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية عبيد الخليفي أن زيارة وزير الداخلية الفرنسي لتونس تحمل ثلاثة ملفات تتعلق أساساً بمكافحة الإرهاب والهجرة السرية.
ويتابع خليفي في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "الأول يتعلق بالتعاون في التحقيقات حول الإرهابي ابراهيم العويساوي، لأن مجريات التحقيق ترجع أنه وفد لفرنسا في مهمة إرهابية محكمة التخطيط، والثاني يتعلق مدى استجابة تونس لإعادة المشتبه بهم من الإرهابيين أو من قضوا فترة سجنية في قضايا إرهابية، الملف الثالث يتعلق بموجات الهجرة السرية نحو فرنسا باعتبار أن إيطاليا هي منطقة عبور وليس استقرار".
ويضيف "هذه الملفات الثلاثة هي ملفات سياسية بامتياز ستمارس فيها فرنسا ضغطا سياسيا مرفوقا ببعض المغريات في شكل مساعدات اقتصادية".
وكان ملف الهجرة موضوع اتصال هاتفي جمع الرئيس التونسي قيس سعيد السبت مع نظيره الفرنسي ماكرون، وبحسب الرئاسة التونسية فإن الرئيسين قد بحثا "موضوع الهجرة غير النظامية والحلول التي يجب التوصل إليها معا لمعالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم بين الحين والحين بهدف تحقيق أغراض سياسية".
وتشير الأرقام الرسمية التي نشرتها وزارة الداخلية التونسية أن 8581 شخصا حاولوا عبور المياه التونسية في اتجاه السواحل الأوروبية منذ مطلع العام الحالي وحتى أواسط سبتمبر.
ملف إعادة الإرهابيين إلى الواجهة
ويعتقد مراقبون أن ملف ترحيل العشرات من المتهمين بالتطرف ممن يحملون الجنسية التونسية من فرنسا سيكون على رأس جدول أعمال وزير الداخلية الفرنسي في تونس، وسيكون الملف الأكثر تعقيدا في محاداثاته مع المسؤولين الأمنيين في تونس، وهو ما يجدد الجدل حول ملف إعادة الإرهابيين التونسيين في الخارج.
ومنذ العام 2016، وانحسار تنظيم داعش في سوريا والعراق، بدأت تونس تخشى من عودة آلاف الإرهابيين من حاملي جنسيتها والذين انخرطوا في صفوف الجماعات المسلحة بين 2011 و2014، وسط رفض شعبي وسياسي لعودتهم للبلاد أو محاول استعادتهم من طرف الدولة.
وآخر عملية تسلم لإرهابيين من الخارج قامت بها السلطات التونسية كانت في بداية العام 2019 عندما استلمت أربعة عناصر إرهابية كانت تنشط في سوريا وصادرة بحقها بطاقات جلب من القضاء. وتقدر الحكومة التونسية عدد المقاتلين في مناطق النزاع في الخارج بنحو ثلاثة آلاف عنصر أغلبهم في سورية وعدد أقل في العراق وليبيا.
ويعتقد عبيد الخليفي أن تونس في هذه الحالة "لا تملك العديد من الخيارات، فهي ملتزمة مع الجانب الفرنسي بمعاهدة تسليم المجرمين والإرهابيين وفقاً للإجراءات القضائية بين البلدين، وكذلك واقعة تحت ضغط المصالح المشتركة"، على حد تعبيره.
ويتابع الخليفي:" للأسف لا تملك السلطات التونسية إلا الحل الأمني لمواجهة الخطر الإرهابي العائد من ساحات القتال في ليبيا وسوريا والعراق، ولم تطرح أي برنامج جذري ومتكامل يجمع بين أساليب مختلفة تشمل الثقافة والتعليم والدين ويكون حلاً جذرياً طويل المدى. كما يساهم غياب الاستقرار السياسي والتغيرات الحكومية المتكررة وخاصة تلك التي شملت الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في غياب رؤية واضحة وطويلة المدى لتجاوز تحدي العائدين، خاصة وأن تجميعهم في سجون مختلطة بسجناء الحق العام، يزيد من مخاطر استقطاب عناصر إرهابية جديدة، وقد حدثت العشرات من الحالات".
ويعاقب قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال في تونس، الصادر في العام 2015، بالإعدام أو السجن بقية العمر كل من يرتكب جريمة إرهابية داخل البلاد أو خارجها.