كشف تقرير صادر عن مؤسسة بحثية أوروبية، مؤخرا، أن أنقرة ابتعدت كثيرا عن منظومة الديمقراطية الأوروبية، بسبب الخيارات "الملتبسة" في مجالي الاقتصاد والديبلوماسية.
وبحسب ورقة المؤسسة "الهلينية" لبحوث السياسة الأوروبية والخارجية، فإن تركيا أصبحت دولة مستبدة بشكل تام، من منظور الحكومات الغربية.
وأضاف التقرير أن ما تقوم به تركيا، من ناحيتي هندسة الدستور والممارسات القانونية، لا يتلاءم نهائيا مع تعهدات أنقرة أمام مجلس أوروبا أو دول حلف شمالي الأطلسي "الناتو".
لكن سنتي 2018 و2019 وضعتا حدا لهيمنة الرئيس رجب طيب أردوغان على المشهد السياسي في تركيا، كما ألحقتا خدوشا بصورة النظام.
وخسر حزب العدالة والتنمية رئاسة البلدية في كل من إسطنبول وأنقرة، وهما من كبريات المدن في البلاد، وربما تكونان مؤشرا على مزيد من الخسائر الانتخابية القادمة مستقبلا.
وأورد التقرير أن تركيا حادت عن "الخط الاقتصادي" المتبنى في المنظومة الغربية، لأن أنقرة لجأت إلى سياسات في غير محلها، كما أنها اتخذت قرارات متشددة على مستوى الحوكمة، وهذا لم يعد بالنفع.
في مجال الاقتصاد، مثلا، عين أردوغان صهره بيرات ألبيرق وزيرا للمالية وهو ما نظره إليه مستثمرون بمثابة تدخل من الرئاسة في الاقتصاد، أما أزمة الليرة فقد تفاقمت إلى مستوى كارثي بسبب إصرار أردوغان على إبقاء نسب الفائدة في مستويات دنيا، رغم أن هذه السياسة لا تجدي نفعا بحسب الخبراء.
ويقدم أردوغان نفسه بمثابة عدو لنسب الفائدة المرتفعة، وينظر إليها بمثابة عائق أمام الاقتراض وتحريك عجلة الاقتصاد، لأن الناس ستتردد في الاقتراض حينما تصبح التكلفة عالية، لكن هذا التمسك بالخفض أدى لتبعات وخيمة في الحالة التركية.
منعطف "الاستبداد"
وبدأت تركيا "حملة القمع" بشدة بعد "طلاق بائن" مع الحركة التي يقودها رجل الدين فتح الله غولن، رغم أن هذه الشبكة كانت عاملا مساعدا لحزب العدالة والتنمية حتى يصل إلى السلطة ويتغلغل في دواليبها.
لكن الأمور أخذت منعطفا حاسما في ديسمبر 2013، عقب توجيه اتهامات بالفساد لمسؤولين في الحكومة التركية، وجرى تصوير الأمر وقتئذ بمثابة مؤامرة من الحركة ضد حزب العدالة والتنمية.
أما بعد يوليو 2016، أي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، فزادت قبضة السلطة في تركيا، لاسيما أن أردوغان اتهم حليفه القديم غولن، بتدبير "مخطط الإطاحة"، لكن رجل الدين الذي يعيش في المنفى بالولايات المتحدة نفى هذا الأمر نفيا باتا.
وفي أبريل 2017، كان تبني دستور جديد في البلاد، من أجل نقل تركيا صوب نظام رئاسي، فكان بمثابة "مأسسة" للحكم المستبد في البلاد، بحسب الورقة البحثية، لاسيما أن هذا التغيير جرى بالأساس حتى يستطيع أردوغان أن يبقى في السلطة لأنه استنفذ الولايات الثلاث المسموحة له بموجب قانون الحزب.
ويرى الباحثون الأوروبيون أن تركيا تحاول جاهدة أن تصبح مستقلة بنفسها على مستوى الدبلوماسية والجيش والاقتصاد، لكن شق هذا المسار لا يخلو من العقبات.
وأورد التقرير أنه لا محيد عن الحوار والتعاون مع تركيا، نظرا إلى المصالح المشتركة وعامل الجغرافيا، لكن تطبيع هذه العلاقة قد يستغرق وقتا.
وتوترت العلاقة على نحو غير مسبوق، مؤخرا، بين دول الاتحاد الأوروبي، من جهة، وأنقرة من جهة أخرى، وذلك بعدما أصرت تركيا على التنقيب عن الثروات في منطقة متنازع عليها مع قبرص واليونان، شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وفي ظل تزايد التوتر مع تركيا، لوحت دول أوروبية بفرض عقوبات صارمة على أنقرة، حتى "تعود إلى رشدها"، وهو ما يبدو أن تركيا قد أذعنت إليه في الوقت الحالي بعدما أعادت سفينة التنقيب إلى سواحلها الجنوبية، لكن الأمر قد يكون مجرد حلقة بسيطة ضمن سلسلة معقدة للنزاع بين بروكسل وأنقرة.