لا تنفك تركيا عن استغلال مناطق النزاع في العالم لإيجاد موطئ قدم لها يمكنها من التدخل عسكريا وفرض سيطرتها وتعزيز هيمنتها، فبعد سوريا وليبيا، تتجه أنظار أنقرة هذه الأيام نحو الأزمة القائمة بين أرمينيا وأذربيجان بشأن إقليم حدودي متنازع عليه بين البلدين منذ سنوات.
وتقف تركيا إلى جانب أذربيجان، الغنية بالنفط، والتي تطالب بأحقيتها في إقليم ناغورني-قره باغ، ذي الأغلبية الأرمنية، في حين تقول أرمينيا إن الإقليم يقع في نطاق سيادتها، الأمر الذي أشعل نزاعا بين الجارتين أرمينيا وأذربيجان منذ استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن الماضي.
ودخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الأزمة المستمرة بين البلدين قبل أيام، على إثر تجدد الاشتباكات المسلحة عبر الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، إذ قال أردوغان إن أنقرة لن تتردد في الوقوف ضد أي هجوم" على أذربيجان، واصفا موقف أرمينيا بأنه "صعب"، في إشارة بدا من خلالها أردوغان وكأنه يمد يد المساعدة إلى باكو إيذانا بتدخل عسكري على غرار ما فعل في سوريا وليبيا.
كما سارع إسماعيل دمير، مدير هيئة الصناعات الدفاعية التركية، إلى القول بأن "صناعتنا الدفاعية، بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها، من طائراتنا المسيرة إلى ذخائرنا وصواريخنا وأنظمتنا الحربية الإلكترونية، تحت تصرف أذربيجان دائما"، وفق ما ذكرت وسائل إعلام تركة محلية.
ويشير تعليق المسؤول في هيئة الصناعات العسكرية التركية إلى رغبة أنقرة إلى إيجاد سوق لأسلحتها، في محاولة للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية الداخلية.
عداء تاريخي
ولا يخلو الوقوف التركي إلى جانب أذربيجان من ظلال تاريخية تشير إلى العداء لأرمينيا، التي لم تنس حتى الآن إبادة مليون ونصف المليون أرمني على يد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأرميني زهراب مناتساكانيان، إنه "لم يتفاجأ" من السياسات التركية المتعلقة بالتطورات الأخيرة بين بلاده وأذربيجان، واصفا ما تقوم به أنقرة بـ"خطوة جيوسياسية خطيرة".
وأضاف مناتساكانيان في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، أن تركيا "تحاول فرض سيطرتها على دول مجاورة"، مؤكدا أن هذه السياسات العثمانية الجديدة امتدت إلى منطقتنا أيضا".
أسباب التدخل التركي
وفي تعليقه على محاولة تركيا التدخل في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، لـ"سكاي نيوز عربية"، أرجع هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، الاتجاه التركي لإيجاد نفوذ لها في منطقة آسيا الوسطى إلى أربعة أسباب:
الأول: العداء التاريخي بين الأرمن والأتراك، وجاء في صورة رد فعل تركي تهدف للتصعيد ورفع سقف المواجهة، من بينها تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي أكد أن "تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب القوات المسلحة الأذرية ضد أرمينيا"، متهماً الأخيرة باتخاذ "نهج عدائي".
الثاني: العزف التركي على مبدأ "دولتان وأمة واحدة"، وهو مبدأ شهير يعني أن الأتراك والأذريين أمة واحدة تعيش في دولتين، وهو انعكاس للمواجهة التاريخية للدولة العثمانية ثم تركيا مع أرمينيا، بالإضافة إلى هيمنة الفكر العثماني الاستعماري على هذه السياسة الخارجية.
الثالث: تنفيس الضغط الداخلي على أردوغان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فضلا عن انخراط أنقرة في أزمات عدة بالمنطقة، الأمر الذي جلها "صانعة للأزمات".
الرابع: مواجهة روسيا، وهذا واضح من جملة تصريحات أردوغان التي يوظفها للضغط على روسيا التي يشتبك معها في عدة ملفات ومصالح معقدة، من بينها سوريا وليبيا، ويستغلها لتهديد موسكو بشكل مبطن.
تكتيكات حافة الهاوية
من جانبه، قال محمد عبد القادر، الخبير في الشأن التركي، لـ"سكاي نيوز عربية"، إن تركيا باتت في الآونة الأخيرة تهوى استراتيجيات المخاطرة وتكتيكات حافة الهاوية، وأوضح مثال على ذلك سياساتها في ليبيا وسوريا والعراق".
وأضاف أن دخولها على خط النزاع بين أرمينيا وأذربيجان "جاء ليعكس دورها كدولة مثيرة للاضطرابات. فبدلا من اتباع سياسات التهدئة اتجهت للتصعيد والتلويح بالحلول الخشنة في مواجهة أرمينيا المدعومة من روسيا".
ووصف عبد القادر، الرئيس التركي، بأنه "مدمن على التصعيد وإثارة التوتر وفرد العضلات"، مؤكدا أن "تلويح أنقرة بالعمل العسكري في أكثر من مكان جعلها تبدو صانعة للاضطرابات الإقليمية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية".