تمبكتو، أو تومبوكتو، أو تينبكتو، كلها أسماء درج الناس على كتابتها للإشارة إلى واحدة من أعرق المدن الإفريقية التي شهدت نهضة فريدة لا مثيل لها عبر القرون الماضية.
لكن الواقع أن اسم المدينة التي تأسست في القرن العاشر الهجري، هو من كلمتين "تين" و "بكتو"، ذلك أن المدينة سميت على امرأة من الطوارق اسمها "بكتو"، كانت تقيم على ضفة نهر النيجر الذي يحتضن المدينة، وكان الرعاة حسب الرواية التاريخية الأشهر يودعون حاجياتهم عندها، فسمي المكان بها، لتكون كلمة "تين" كـ "ال" التعريفية بالعربية في لغة الطوارق، أي: مكان بكتو.
المدينة التي تأسست على يد قبيلة الطوارق، حظيت بموقع خصب قرب النهر، وكانت واسطة العقد بين شمال إفريقيا وغربها، فعندها تنتهي الصحراء الإفريقية، وتبدأ السافانا الإفريقية، وهذا ما ساعدها على جذب كل الأعراق في المنطقة.
بلغت المدينة أوجها وذروة شهرتها بحلول القرن السادس عشر الميلادي، وقد تنازعها سلاطين مالي الذين عرفوا بملوك الذهب حينها، والبلاط المغربي في عهد السعديين. ذلك، إذ أصبحت المدينة عاصمة للعلم والتجارة وقبلة القوافل في إفريقيا.
وقد سجلت المدينة حينها أعلى نسبة للجامعات في العالم، إذ افتتحت بها عشرات الجامعات بسبب الإنفاق السخي من قبل التجار الذين اشتغلوا بتجارة الذهب والحرير والتوابل والعبيد.
وقد عرفت حينها بسلطانها السوداني منسى الذي قام بأشهر رحلة حج في التاريخ، إذ اصطحب معه قوافل من الذهب الذي أخذ يوزعه في الطريق في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد سجلت القاهرة حينها هبوطا حادا في أسعار الذهب بسبب الكميات التي وزعها ملك الذهب على المحتاجين.
هذا الثراء حمل الناس خاصة العلماء والطلبة وطالبي الثراء على جعل تمبكتو قبلة لهم، وقد هاجرت إليها قبائل وأسر من شتى أطراف إفريقيا، بدءا من مصر، وليبيا، وانتهاء بالمغاربة الذي قرروا السيطرة عليها، وتهجير مئات الأسر من الصناع والتجار والحرفيين إليها.
وقد عادت هذه الهجرات بطفرة كبرى على تمبكتو، إذ أصبحت أكبر مركز للمخطوطات في إفريقيا، إذ تحتوي مكتباته اليوم أكثر من ثلث المخطوطات المتواجدة في القارة السمراء. وقد اعتبرتها اليونسكو واحدة من أهم العواصم التراثية في العالم.
وفي نهايات القرن الثامن عشر الميلادي، بدأت أوروبا بالتطلع للمدينة الأسطورة بعد أن بهر المغاربة بلاطات أوروبا بذهب المدينة، إذ كان بمدينة مراكش المغربية، في العهد السعدي نحو 1800 عامل، لا شغل لهم سوى تحويل ذهب تمبكتو الناصع إلى عملة، وقد جنت أوروبا من مصدر الذهب، إذ لم تعرف إفريقيا ذهب بهذا النقاء حتى ذلك، الوقت، وإلى وقت متأخر لم يعرف العالم مهدا للذهب الخالص مثل ذهب تمبكتو في المنطقة.
وقد قررت أوروبا غزو هذه المدينة عبر رحلات استكشاف سرية، أشهرها التي قام بها الفرنسي رينية كاييه 1818 الذي استقبل في فرنسا استقبالا رسميا بعد رحلته تلك. لكن فرنسا وغيرها أجلوا أحلام غزو تمبكتو إلى عام 1911، بعد أن ضعف النفوذ المغربي المهيمن حينها.
ومذ بسطت فرنسا نفوذها في المنطقة بدأت المدينة في الأفول بعد أن هجرها أهلها من التجار والعلماء الذي رفضوا التعايش مع الاستعمار وتواروا في الصحاري ومناطق أخرى بالمنطقة، لتفقد تمبكتو أهميتها كمركز علمي ومالي في إفريقيا.
مدينة كل الأعراق
عرفت المدينة أنها مدينة امتزجت فيها كل الأعراق، ومن ضمن المشروع الفرنسي لاستقلال المنطقة، حاول العرب والطوارق أهم سكان المدينة، الاستقلال بعيدا عن مالي، وقد حاولوا أن يبقوا كجزء من صحراء أزواد، وقدم السكان حينها مطالب الاستقلال لكنها رفضته من قبل الإدارة الفرنسية.
ومذ رحل الاستعمار بداية الستينات اشتكى أهل المدينة من إهمال الإدارة الجديدة، كغيرهم من سكان إقليم أزواد الذي يقطنه العرب والطوارق والسنغاي والفلاني، وقد انتفض سكان تمبكتو ضمن سكان الصحراء بعد عقود الاستقلال، لكن جميع الثورات قوبلت بقمع دموي من قبل السلطات المالية التي يتهمها العرب والطوارق أنها باشرت تطهيرا عرقيا ضدهم.
وقد ارتكبت مجازر ضد التمبكتويين سنوات 1991 و 1994 أدت غلى هجرة من بقي من سكانها العرب والطوارق لدول الجوار.
واليوم وبعد سنوات ها هي المدينة تعود إلى الأضواء مجددا بعد أن حقق سكانها من العرب والطوارق وغيرهم حلم استعادتها. فهل ستدوم أحلامهم، أم ستذهب أدراج الرياح كما معالم المدينة التي تذروها الرياح؟