مرة أخرى، عاد الحديث عن تدخل عسكري أميركي في فنزويلا التي تشهد أزمة سياسية حادة منذ أشهر طويلة، بين الرئيس نيكولاس مادورو وزعيم المعارضة خوان غوايدو، الذي نصّب نفسه رئيسا بعدما طعن بشرعية فوز الأول في انتخابات العام الماضي.
وجاء الحديث عن التدخل العسكري، على لسان نائب رئيس الحزب الاشتراكي الحاكم في فنزويلا، دايوسدادو كابيلو، الذي يعتبر الرجل الثاني في البلاد.
وقال كابيلو إنه من المرجح أن تتدخل أميركا عسكريا في فنزويلا عبر إرسال قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز".
ودخلت فنزويلا، الغنية بالنفط، في أزمة سياسية حادة، في يناير الماضي، بعدما أعلن غوايدو، وهو أيضا رئيس البرلمان، نفسه رئيسا للبلاد، مستخدما بندا في الدستور لتولي الرئاسة بصورة مؤقتة.
وسارعت الولايات المتحدة إلى دعم غوايدو، واعترفت به رئيسا شرعيا لفنزويلا، وتبعها في ذلك أكثر من 50 دولة حول العالم.
وقالت إدارة الرئيس دونالد ترامب إنها تفضل مواصلة استخدام العقوبات والدبلوماسية للضغط على مادورو كي يتنحى، لكنها أكدت أن التدخل العسكري أمر وارد.
وأكد ترامب في مرات عدة أن الجيش الأميركي قد يتدخل عسكريا في البلد الواقع بأميركا الجنوبية.
لكن قبل الحديث عن الخيارات المطروحة أميركيا لعزل مادورو، ما هي المصالح الأميركية في فنزويلا؟
1. ازمة اللاجئين: فنزويلا تبعد فقط 1300 ميل عن ولاية فلوريدا، والانهيار الداخلي الذي تشهده فنزويلا قد يقودها نحو دولة فاشلة، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على البلدان المجاورة، بما فيها الولايات المتحدة، بحسب ما يقول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
وبدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أميركا الجنوبية، مثل كولومبيا، يشهدون بروز أزمة لاجئين من فنزويلا.
وبحسب الأمم المتحدة، غادر أكثر من 3 ملايين فنزويلي بلدهم هربا من الأزمة الاقتصادية الأسوأ بتاريخ هذا البلد الذي يعوم فوق النفط، وفر معظم هؤلاء إلى كولومبيا المجاورة.
2. روسيا وإيران والصين وحزب الله: تطرق نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى فنزويلا مؤخرا، معتبرا إياها تذكيرا بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار خارج منطقة الشرق الأوسط.
وتقول واشنطن إن رصدت أنشطة لميليشيات حزب الله، ذراع إيران، في فنزويلا، وتقول إن تأثيره في المجتمع الفنزويلي منذ 2008 أصبح أكبر مما يتصوره كثيرون، بحسب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو.
لكن الأمر الأخطر، بالنسبة لواشنطن، هو الصين وروسيا اللتين تزيدان من وجودهما في فنزويلا، إذ قدم هذان البلدان قروضا بمليارات الدولارات لفنزويلا الغنية بالنفط لدعم حكومة مادورو المعادية للحكومة الأميركية.
وتحدثت تقارير عن إرسال روسيا قوات خاصة إلى كاركاس، الأمر الذي يعني مزيدا من النفوذ لموسكو في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.
4. التأثير الأيدولوجي: تعارض واشنطن التحالف البوليفاري لشعوب القارة الأميركية، القائم على فكرة مناهضة أميركا، وفنزويلا جزء أساسي من هذا التحالف الذي يضم دولا مثل كوبا.
5. النفط: تقدر تحليلات بأن في فنزويلا ربع احتياطيات العالم من النفط الخام، وعملت حكومة الرئيس الراحل هوغو تشافيز ومن بعده حكومة مادورو على تعطيل نشاطات الشركات الأميركية في مجال النفط، وحصر إنتاجه بالشركة الفنزويلية الوطنية.
واستهدفت واشنطن قطاع النفط الفنزويلي بعقوبات قياسية، حتى تحرم حكومة مادورو من الحصول على تدفقات مالية، خاصة أنه يشكل مصدر 90 في المئة من عائدات النقد الأجنبي.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون "إذا تمكنّا من دفع شركات النفط الأميركية إلى الاستثمار وإنتاج النفط في فنزويلا، فستحدث فرقا نوعيا بالنسبة للولايات المتحدة".
6. إسقاط النظام: تقول مجلة "فورين أفريرز" الأميركية المتخصصة في السياسة الخارجية إن لدى واشنطن هدفا رئيسيا وواضحا في فنزويلا وهو إسقاط النظام البوليفاري الذي يتزعمه مادورو.
لكن ما هي الخيارات المطروحة أمام واشنطن لتحقيق هذه الأهداف؟
فشلت العزلة الدولية التي فرضتها أميركا على نظام مادورو والضغط الداخلي في فنزويلا على إجبار الرئيس على التنحي، بعد شهور من الاحتجاجات.
وبدا لكثيرين أن ترامب فقد الاهتمام بملف فنزويلا، لصالح ملفات أكثر سخونة، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، لكن أحد المقربين منه أكد أن ترامب متهم بالأمر، بدليل مناقشة أزمة فنزويلا مع كل القادة الذين التقاهم في قمة العشرين باليابان، الشهر الماضي.
واستعرضت "فورين أفريرز" الخيارات العسكرية للتدخل الأميركي في فنزويلا، وقالت إن الأمر ينحصر بين:1. حملة قصف جوي مكثفة 2. غزو بري شامل.
وفي كلا الخيارين، فإن الأمر يستلزم جهودا تالية من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد وتشكيل حكومة مدنية، وهذا ما قد يأخذ سنوات.
وينبغي أن يأخذ في الحسبان، أن عدد سكان فنزويلا يبلغ 31 مليونا ومساحتها 912 ألف كيلومتر، أي ضعفي مساحة العراق.
ويبلغ عديد القوات المسلحة في فنزويلا 160 ألف جندي، ويضم هذ العدد أيضا أفرادا شبه عسكريين موالين للحكومة، وثمة تحد أخرى قد تواجهه القوات الأميركية وهو وجود عصابات إجرامية تضم أكثر من 100 ألف عضو.
التورط قد يمتد لسنوات
وحتى لو بدأ التدخل الأميركي العسكري بشكل جيد، فإنه وبحسب "فورين أفيرز"، فمن المرجح أن تجد القوات الأميركية نفسها متورطة في العمل أعمال أخرى مثل الحفاظ على السلام وإعادة بناء المؤسسات لسنوات قادمة.
ويتطلب التدخل العسكري الدقيق في فنزويلا عمليات في الجو وفي البحر، وستحتاج البحرية الأميركية إلى إرسال حاملة طائرات قبالة سواحل فنزويلا لفرض منطقة حظر الطيران وضرب الأهداف العسكرية والبنية التحتية الحيوية.
كما ستحتاج نشر مجموعة من السفن الحربية، وربما غواصات يمكنها إطلاق صواريخ توماهوك على أهداف عسكرية مثل القواعد الجوية ومنشآت الدفاع الجوي ومراكز الاتصالات والقيادة والسيطرة.
أفضل سيناريو
أما أفضل سيناريو متاح، فهو تغير موقف الجيش الفنزويلي، مع بدء سقوط الصواريخ الأميركية، ودعم زعيم المعارضة غوايدو لتفادي التصعيد.
وفي أسوأ السيناريوهات، ستستمر عملية القصف الأميركي عدة أشهر، مما قد يؤدي إلى مقتل الآلاف من المدنيين، وتدمير الكثير مما تبقى من الاقتصاد الفنزويلي، ومحو قوات أمن الدولة، وستكون النتيجة بالتالي فوضى، ومن المحتمل أن يفر أكثر من ثمانية ملايين فنزويلي من البلاد.