رغم سعي الولايات المتحدة وقوى الناتو لثني أنقرة عن صفة شراء منظومة إس 400 الصاروخية من روسيا، إلا أن الإصرار التركي على إتمام تلك الصفقة ظل مثار جدل خاصة في ظل علاقات استراتيجية كانت تربط أنقرة بواشنطن من جهة، إضافة إلى عضوية تركيا في حلف الأطلسي من جهة أخرى.
ولا يمكن فك أحجية الإصرار على الخروج التركي عن الحلف الغربي والارتماء في الأحضان الروسية بمعزل عما يحدث من التطورات الراهنة سواء محليا في الداخل التركي وإقليميا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية الملتهبة، أو حتى دوليا على صعيد القضايا العالمية.
فحسابات أنقرة في الحصول على منظومة إس 400 الصاروخية المتطورة تتعدى في كونها تعزيزا لمنظومتها الدفاعية المتمثلة في صواريخ باتريوت وطائرات إف 16 الأميركية، بل هي أيضا محاولة تركية لخلط الأوراق واللعب لمصالحها وتحقيق مطالبها لدى الحلفاء.
وتهدف تركيا من هذه الصفقة -بحكم موقعها الاستراتيجي الجيوسياسي- إلى ممارسة الابتزاز السياسي لحلفائها، وهي لعبة طالما أتقن ممارستها النظام في تركيا، وبالأخص عندما استغل ملف أزمة اللاجئين كورقة ضغط ضد الدول الأوروبية كما استغل ورقة الإرهاب وصعود تنظيم داعش مع الولايات المتحدة.
وما من شأن صفقة الصواريخ الروسية إلا إحداث إرباك للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط من خلال زيادة التوترات مع أنقرة في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطا على إيران وسياستها في المنطقة.
وفي ردها على استبعادها من برنامج حلف شمال الأطلسي لتطوير مقاتلات إف 35، نددت تركيا بالخطوة الأميركية ووصفتها بـ"المجحفة". وادعت الخارجية التركية في بيان لها أن "هذه الخطوة الأحادية لا تتوافق مع روحية التحالف وغير قائمة على أسباب مشروعة".
وأشارت الخارجية إلى أن هذه الخطوة هي خطأ سيؤدي إلى ضرر لا يمكن إصلاحه بعلاقات أنقرة "الاستراتيجية مع واشنطن". ودعت الوزارة التركية الولايات المتحدة إلى تأكيد أهمية العلاقات بين البلدين "ليس فقط بالكلمات وإنما أيضا بالأفعال وبخاصة في المعركة ضد المنظمات الإرهابية".
إلا أن الرهان التركي على روسيا، أثار حفيظة حلفاء أنقرة وعبروا عن بالغ قلقهم من هذا التقارب العسكري بإدماج نظام الدفاع الصاروخي الروسي بنظام حلف شمال الإطلسي. وهذا الأمر يضع ولاء تركيا لحلف الناتو موضع شك، خاصة بعد أن سبق وأن أجبرت أنقرة على إلغاء صفقة مماثلة مع الصين لشراء منظومة دفاع صاروخية بعد تحفظات من قبل حلف الناتو حول الصفقة.
ففي واشنطن، قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض ستيفاني غريشام إن قرار تركيا شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية إس -400 يجعل استمرار مشاركتها في برنامج طائرة أف -35 مستحيلاً".
وأضافت المتحدّثة باسم الرئاسة الأميركية أنّ "طائرات أف-35 لا يمكنها التعايش مع منصة لجمع معلومات استخبارية روسية ستستخدم لاختراق القدرات المتقدمة" لهذه الطائرات" محذرة في بيان من أنّ الصواريخ الروسية التي اشترتها تركيا سيكون لها "تأثير سلبي على قابلية تركيا للتشغيل المتبادل" مع حلف شمال الأطلسي.
وفي مقابلة مع سكاي نيوز عربية، يقول كون كوغلن محرر الشؤون الأمنية والدفاعية في صحيفة التلغراف إن على دول حلف الناتو النظر بحذر لهذه القضية بما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاهل رغبة الناتو ورغبة الولايات المتحدة بإلغاء هذه الصفقة.
ولفت الكاتب إلى أن المنظومة الروسية مصممة لإسقاط طائرات حلف الناتو وهذا يطرح تساؤلات كثيرة وخطيرة على استمرار تركيا في الناتو وهذه الصفقة تعتبر خطا أحمر للوجود التركي في الحلف، مرجحا تعليق عضوية أنقرة في الناتو خلال الأشهر المقبلة.
وأشار كوغلن إلى أن خروج تركيا من الحلف هو تحد كبير في ظل القضايا الراهنة في المنطقة خاصة وأن تركيا تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو ولكن على الحلفاء تقييم الأوضاع بشكل حساس خاصة وأن الناتو يرى روسيا على أنها أكبر تهديد للأمن في أوروبا."
وأضاف:"إذا أرادت تركيا أن تلقي بثقها مع الجانب الروسي فأعتقد أن الرهان خاسر، خاصة وأن الاقتصادين التركي والروسي يعانيان، وإذا ما واصل الرئيس التركي سياسته بعزل الغرب فإن المشاكل في تركيا ستتفاقم، خاصة وأن أردوغان لا يتمتع بشعبية كبيرة في الداخل التركي."
ورغم إنفاق أنقرة ما يقارب 1.4 مليار دولار قطاع إنتاج طائرة إف 35 حيث تقوم في الوقت الحالي بتصنيع نحو 937 قطعة غيار لطراز إف-35، منها 400 قطعة هي الوحيدة التي تصنّعها، إلا أنه سيمنع على هذه الشركات تلقّي عقود من الباطن لهذه القطع وستحوّل حصتها من قطع الغيار هذه إلى شركات في بلدان أخرى.