تعرض العرب الأحواز في إيران لانتهاكات حقوقية بالجملة في عام 2018، إذ واصل نظام الملالي سحق كل الأصوات التي تنادي بأبسط الحقوق، لكن العام الماضي، شهد مزيدا من الاتقاد لجذوة الغضب، فانضم إلى المحتجين عمال ومزارعون ومعلمون.
ويتذكر الأحواز 3 محطات بارزة في العام المنصرم، ويتعلق الأمر بخروج 3 مظاهرات عارمة أطلق عليها "انتفاضة الأرض"، و"انتفاضة الكرامة"، و"انتفاضة العطش"، فضلا عن ارتفاع نسبة احتجاجات العمال والمزارعين والمعلمين.
وعلى الصعيد الحقوقي، لم يمر يوم على الشعب العربي الأحوازي دون تسجيل حالة انتهاك لحقوق الإنسان، كالاعتقالات القسرية والبطش والظلم، أو تخريب البيئة وتدمير الزراعة، أو القتل المتعمد للمواطنين الأبرياء.
ويقر المتابعون بوجود صعوبة في حصر عدد الانتفاضات الشعبية، فهي متواصلة منذ عقود، لكن التقارير الدولية تسلط الضوء على عدد منها، فتنقل إلى العالم صورا من الاضطهاد في القرن الحادي والعشرين.
انتفاضة الدفاع عن الأرض
استقبل الأحوازيون عام 2018 بانتفاضة عارمة كانت قد بدأت في نهاية عام 2017، هي انتفاضة الأرض التي اشتعل فتيلها تضامنا مع أهالي قرية الجليزي في منطقة دتشة العباس، عندما حاولت القوات الأمنية الإيرانية الاستيلاء على أراض زراعية.
لكن أهالي القرية تصدوا لهذا الاعتداء بشجاعة، وكان للمرأة الأحوازية حضور بارز في مواجهة هذا الاعتداء.
وبعد انتشار مقاطع من المواجهة بين القوات الأمنية في إيران وأهالي القرية على وسائل التواصل الإجتماعي، انتفض أبناء الشعب العربي الأحوازي في مختلف المدن والأحياء للتضامن مع أهالي قرية الجليزي.
واعتقلت القوات الأمنية عددا كبيرا من أهالي القرية و سائر المنتفضين في مختلف المدن، وزجت بهم في السجون على خلفية المشاركة في المظاهرات السلمية، واستمرت هذه الانتفاضة لعدة أسابيع لكي تتصل بالمظاهرات العامة في إيران.
انتفاضة الكرامة
في مارس 2018، حاول القائمون على البروباغندا الإيرانية، تجاهل وجود العرب الأحوازيين وحذفهم من موطنهم الذي عاشوا فيه لآلاف السنين.
لكن بمجرد انتشار مقاطع من هذه البرامج على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، خرج الآلاف من الأحوازيين الى الشوارع ليعلنوا عن سخطهم وامتعاضهم من السياسات الإيرانية التي تهدف إلى محو الوجود العربي في الأحواز.
واكتظت شوارع المدن الأحوازية بالرجال والنساء المنتفضين الذين كانوا يرددون شعارات تدل على تمسكهم بأرضهم وهويتهم العربيتين.
وخرجت مئات النساء إلى جانب الرجال والشباب للدفاع عن الوجود العربي وهوية الشعب العربي الأحوازي، فيما عرف بـ"انتفاضة الكرامة".
وتم اعتقال الكثير من المتظاهرين إثر مشاركتهم في الاحتجاجات، وبينما لم يعلن النظام اللإيراني قائمة المعتقلين فإن التقارير الميدانية تدل على أن عددهم تجاوز 1500.
انتفاضة العطش
يعاني أهالي المدن الأحوازية من نقص في المياه الصالحة للشرب وضعف كبير في جودتها، مما تسبب في انتشار الأوبة والأمراض بين السكان، خاصة الأطفال وكبار السن.
وتفاقمت الأزمة في عام 2018 فوصلت إلى انقطاع كامل للمياه عن مدينتي المحمرة وعبادان في شهري مايو ويونيو، حيث شهدت المدينتان انقطاعا كاملا للمياه الصالحة للشرب دون أن تقوم السلطات بحلها.
ومما زاد الطين بلة، انتشار أخبار حول تصدير مياه الأحواز إلى العراق، وإبرام اتفاقيات أخرى لنقل مياه الأنهر الأحوازية إلى الدول الأخرى، مما أزكى امتعاض المواطنين الذين ظلوا يتساءلون عن أسباب تصدير المياه إلى الخارج في الوقت الذي يعانون به العطش.
في خضم هذه الأزمة، تظاهر أهالي مدينتي المحمرة وعبادان ضد السلطات، وطالبوا المسؤولين بإيجاد حلول سريعة لمشكلة المياه.
وسرعان ما وصلت أخبار المظاهرات إلى المواطنين الأحوازيين في سائر المدن، فخرجوا في مظاهرات تضامنية مع أهالي المدينتين في "انتفاضة العطش"، لكن النظام ودأبا على عادته، ألقى القبض على عدد كبير من المحتجين.
مجزرة مقهى النوارس
في أواسط شهر مارس 2018، ارتكب النظام الإيراني مجزرة بحق الأحواز، حيث حرقت عناصره مقهى النوارس الذي كان محلا لاجتماع شباب حي الثورة، لتبادل الأخبار وحتى للتنسيق للقيام بالمظاهرات الاحتجاجية.
وفي إحدى ليالي مارس، أغلق عناصر تابعون للنظام باب المقهى المكتظ بالزبائن من الخارج وأحرقوه بكل من فيه، فراح ضحية هذا الحدث 24 من أبناء الأحواز الذين أحرقوا في نار العنصرية والكراهية الكامنة في عقول حكام طهران.
مظاهرات العمال والمزارعين
ارتفعت وتيرة المظاهرات العمالية في الأحواز في عام 2018 لتكون عملية شبة يومية. فمنذ أكثر من عام، يتظاهر العمال في مختلف القطاعات والشركات مطالبين بحقوقهم ورواتبهم المتأخر دفعها لعدة أشهر.
وتضم قائمة الغاضبين عمال شركات قصب السكر والفولاذ وعمال البلدية، وعمال شركة قطار الأنفاق. لكن السلطات الإيرانية تقوم دائماً باعتقالهم واضطهادهم عوض أن تستجيب.
وأضحت مظاهرات عمال شركة (هفت تبه) أمراً مألوفاً في البلاد، حيث يرجع نضال عمال هذه الشركة ‘لى أكثر من عامين لأجل التخلص من جهات استولت على الشركة تحت ذريعة الخصخصة التي تسببت في فقدان الكثير منهم وظائفهم وخفض رواتب الآخرين.
الاعتقالات
شهدت الأحواز في عام 2018 أكبر نسبة للاعتقالات، حيث وصل عدد المعتقلين طيلة السنة الى أكثر من 5 آلاف معتقل في مناسبات مختلفة على مدار السنة.
ويرتفع عدد المعتقلين خلال الانتفاضات والاضطرابات والمظاهرات وفي الأعياد السنوية، وعلى سبيل المثال تجاوز هذا العدد في انتفاضة الجليزي 200 معتقل، وفي انتفاضة الكرامة أكثر من ألفين شخص، وأفادت الإحصاءات أن المعتقلين في انتفاضة العطش تجاوز الألف.
وإلى جانب هؤلاء، يعتقل النظام آخرين بشكل احترازي قبيل ذكرى الاحتلال وسنوية انتفاضة 15 أبريل وعيدي الفطر والأضحى، ليعيق بذلك، حسب زعمه، عملية التنسيق للاحتفاء بهذه المناسبات.
وفي المنحى ذاته، قام النظام باعتقال شخصيات معروفة في مجال الثقافة كالشعراء والكتاب والصحفيين، مثل عيسى دمني وناجي الحيدري ومرتضى الزرغاني وحسن الحيدري وأحمد دريس وعباس الطرفي وغيرهم.
وتحاول حكومة طهران أن تخل بالحراك الأحوازي من خلال اعتقال النشطاء والإفراج عنهم بكفالات باهظة، حتى يجبرهم على الكف عن النشاط، وفي حال استمرارهم في الاحتجاج يقدم على مصادرة منازلهم وممتلكاتهم.
لكن هذه الخطة لم تمنع النشطاء من الاستمرار في النضال من أجل استيفاء حقوقهم المسلوبة، حيث إنهم يعودون إلى ممارسة النشاط من جديد بعد كل اعتقال.
الانتحار في الأحواز
تشير الأرقام الرسمية لسلطات إيران إلى أن حالات الانتحار الناجمة عن الفقر والوضع الاجتماعي الصعب في الأحواز تتراوح بين 5 و6 أشخاص أسبوعيا.
وتتجاوز نسبة البطالة في الأحواز 50 بالمئة، وأصبحت المناطق الهامشية في المنطقة تهديدا للأمن الاجتماعي، حيث تكابد وضعا صعبا بسبب الإهمال الحكومي وعدم إعمار المدن والقرى التي دمرت أثناء الحرب الإيرانية العراقية.
تلوث البيئة والهواء
منذ عام 2011، تتصدر الأحواز سنويا قائمة أكثر المدن تلوثا في العالم، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، إذ تم تدمير البيئة الأحوازية نتيجة للسياسات التخريبية مثل جرف مياه الأنهار وتجفيفها وتدمير قطاع الزراعة.
وحسب مسؤول البيئة في منطقة الفلاحية، فإن ما بين 70 و80 بالمئة من هور الفلاحية تم تجفيفه، أما مساحته فتراجعت من 155 ألف هكتار إلى 28 الف هكتار بسبب الجفاف.
وفي عام 2018، شهد الأحوازيون ظاهرة جديدة من التلوث البيئي، هي الدخان الناتج عن الحرق المتعمد لهور العظيم في سبتمبر، مما أدى إلى تغطية كل المدن الأحوازية بالأدخنة لعدة أيام، وتسبب في دخول المئات إلى المستشفيات.