حين شهدت منطقة الأحواز في جنوب إيران هجوما على منصة احتشد فيها مسؤولون من النظام، جرى الالتفات في الغالب إلى الحادث والجهة التي تبنته، لكن جدلا قديما عاد إلى الواجهة بشأن العرب في إيران، وما يتعرضون له من اضطهاد وتضييق منذ ما يناهز قرنا من الزمن.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن الهجوم، الذي وقع في مدينة الأحواز مركز الإقليم الذي يحمل الاسم نفسه، أدى إلى سقوط 29 قتيلا معظمهم من الحرس الثوري، فضلا عن إصابة نحو 60 آخرين.
وقال المتحدث باسم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، يعقوب حر التستري، إن منظمة المقاومة الوطنية الأحوازية، التي تضم عددا من الفصائل المسلحة، وتنضوي حركته تحت لوائها هي المسؤولة عن الهجوم.
وأعاد الهجوم تسليط الضوء على الاضطهاد الذي يتعرض له العرب في إيران، منذ إقدام الشاه محمد رضا بهلوي على احتلال دولة عربستان أو ما يعرفُ بـ"إمارة المحمرة" سنة 1925، وصولا إلى تصاعد قمعهم مع وصول نظام الملالي إلى السلطة عام 1979.
وكانت إيران قد استغلت تبعات الحرب العالمية الأولى وما أدت إليه من تغيرات، فتجاهلت المعاهدات التي كانت تربط بريطانيا بعربستان، وعندئذ قامت طهران بضم هذه الأراضي واعتقلت أميرها الشيخ خزعل بن مرداو الكعبي ثم قتلته في وقت لاحق.
وعقب إخضاع المنطقة للأمر الواقع، تم تقسيم الإمارة، التي يطلق عليها الناشطون العرب حاليا الأحواز، إلى ثلاث محافظات تقع في جنوب إيران وعلى الساحل الشرقي للخليج العربي.
وبات التقسيم الإداري للمنطقة التي كانت تشكل إمارة عربية، يشمل محافظة خوزستان، ومركزها مدينة تحمل أيضا اسم الأحواز (الأهواز وفق النطق الفارسي)، فضلا عن محافظتي هرمزكان وبوشهر.
وتشير تقديرات صادرة عن مراكز الدراسات الأحوازية إلى أن العرب يشكلون 10 في المئة من إجمالي سكان البلاد، الذين يصل تعدادهم إلى 75 مليونا ويعتنقون المذهبين السني والشيعي.
سجل طويل من الانتهاكات
وإذا كانت بعض الدول تحرص على إدماج من أُلحقُوا حديثا بأراضيها فإن إيران اختارت نهجا متشددا يقوم على الإنكار وإلغاء الخصوصية الثقافية للمنطقة العربية، فضلا عن التعامل معها بمثابة هاجس يتوجب التخلص منه.
وفي هذا الإطار، هدم رضا بهلوي المعالم العمرانية العربية والمدارس، وقسم المنطقة وألحق بعض أراضيها بمحافظات إيلام وفارس وأصفهان، لكن هذه المساعي الدؤوبة لمنع تعلم اللغة العربية وحظر الزي العربي لم تؤت ثمارها، إذ ازداد تشبث الأحواز بهويتهم الأم.
ولم تقتصر إيران في هذا الاضطهاد على مذهب ديني دون الآخر، إذ تورطت حكومة طهران في ممارسات فظيعة ضد الجميع، فحتى السنة الذين تشيعوا لم ينالوا رضا السلطات التي ظلت تنظر إليهم بكثير من الارتياب.
ويشهد نضال العرب في إيران على أكثر من 16 انتفاضة، لعل أبرزها ثورة "جنود الأمير خزعل" عام 1925 التي انتهت بقتل المئات من القيادات، والحراك الذي انطلق عام 2005 بعد تسريب وثيقة من مكتب الرئيس الإيراني، محمد خاتمي.
وتنص الوثيقة على تهجير نصف سكان المناطق العربية واستبدالهم بالفرس بغية تغيير ديمغرافية المنطقة، في خطوة تؤكد أن معاناة العرب استمرت في ظل النظام الإيراني الجديد الذي استلم زمام الحكم بعد ثورة الخميني.
وسبق لمنظمتي "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" أن حثتا إيران على وقف اعتقالاتها لنشطاء الأحواز وإعدام عدد منهم دون محاكمات عادلة، فيما يتم احتجاز عدد كبير من الموقوفين دون إخبار عائلاتهم أو تمكينهم من التواصل مع محامين.
وتستغل إيران ما تصفها بالمؤامرة الخارجية من أجل شيطنة المطالبين بحقوق الهوية والثقافة، لكن هذا النهج لا يبدو غريبا على طهران، فنظام الملالي الذي ينفق الأموال الطائلة لنشر إيديلوجيته المتشددة في الخارج لن يتوانى عن صبغ الداخل بلون الواحد مهما تعددت مكونات البلاد وتفاقمت مشكلاتها.