لا يكف الشمال الكوري عن تهديد جاره الجنوبي، في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات أيضا بين بيونغ يانغ وواشنطن في ظل تلميح الطرفين إلى اللجوء إلى العمل العسكري، مما يعرض شبه الجزيرة الكورية إلى حرب أكثر شراسة من الحرب التي شهدتها في خمسينيات القرن الماضي.
ورغم اختلاف ملابسات وأسباب الحرب الكورية في الخمسينيات عن ظروف شبح الحرب المخيم حاليا، يظل العالم مهددا بكارثة تتجاوز خطورتها الحرب القديمة، ذلك لأن كلا من كوريا الشمالية والولايات المتحدة يمتلكان "أصولا استراتيجية نووية هائلة".
ولا تزال كوريا الشمالية في حالة حرب مع كوريا الجنوبية، من الناحية الفنية، إذ انتهت الحرب التي دارت بينهما، بين 1950 و1953، بهدنة ودون توقيع معاهدة سلام.. فكيف بدأت تلك الحرب؟ وماذا كانت نتائجها؟
تاريخ الجزيرة الكورية
كانت شبه الجزيرة الكورية جزءا من الإمبراطورية اليابانية التي احتلتها منذ عام 1920 وحتى الحرب العالمية الثانية عندما أعلن الاتحاد السوفيتي، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، الحرب على اليابان.
نجح الاتحاد السوفيتي في إنهاء الاحتلال الياباني لكوريا حتى حد خط العرض 38، الذي مثل الحدود الحالية لكوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية، بعد إعلان الدولتين. كما استسلمت اليابان للقوات الأميركية جنوب هذا الخط.
وفي عام، 1945، توصلت أميركا بالاتفاق مع روسيا، إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية، بناء على خط العرض 38، حيث احتل السوفييت المنطقة الواقعة شمالي هذا الخط (كوريا الشمالية)، واحتل الأميركيون المنطقة الجنوبية (كوريا الجنوبية).
وفي 1948 تشكلت دولتان كوريتان شمالية وجنوبية، لكن ظلت السيطرة السوفيتية الشيوعية في الشمال الذي رأسه كيم إل سونغ، والسيطرة الأميركية على الجنوب الذي رأسه سينغمان ري.
أسباب الحرب
كان كل من سونغ وري يعلن أنه يمثل الشرعية لكامل شبه الجزيرة الكورية، وأن يوما ما سيتحقق له النصر، وكان جيش كوريا الشمالية أكثر انضباطا وتدريبا وعتادا مقارنة بجيش الجار الخائف والمضطرب، ما شجع بيونغ يونغ على إشعال فتيل الحرب.
ففي يونيو 1950 نشب أول عمل عسكري في حقبة الحرب الباردة، عندما عبر نحو 75 ألف جندي من كوريا الشمالية خط عرض 38، أي تخطوا حدودهم مع كوريا الجنوبية، محاولين احتلالها والسيطرة على كامل شبه الجزيرة، وذلك بدعم سوفيتيي واضح.
وفي ظل اضطراب جيش سول، وفرار جنوده من المواجهة، تدخلت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، في الحرب باعتبارها "حربا على القوى الشيوعية العالمية"، و"رمزا للصراع بين الشرق والغرب والخير والشر".
تقهقر شمالي وتدخل صيني
نجح إنزال برمائي لقوات دولية، بقيادة أميركية، في مدينة إنتشون في كوريا الجنوبية في دفع جنود الشمال للانسحاب إلى حدودهم، وتحولت الحرب من الدفاع عن أراض كوريا الجنوبية، إلى الهجوم على كوريا الشمالية "لتحريرها من الشيوعيين".
وبالفعل دخلت القوات الدولية كوريا الشمالية حتى وصلت إلى حدودها الشمالية مع الصين التي تدخلت في الحرب، إلى جانب بيونغ يانغ، بسبب ما قالت عنه إنه "عدوان مسلح على أراض صينية".
وقلب التدخل الصيني في الحرب موازين القوى، حتى تقهقرت القوات الدولية إلى جنوب الخط 38.
ولم تكن الولايات المتحدة ترغب في الدخول في حرب مع الجيش الصيني داخل كوريا، بينما ينتهز الاتحاد السوفيتي الفرصة لشن حروبه وتوسعاته في أوروبا، فلجأت واشنطن إلى مفاوضات سلام، استمرت أكثر من عامين، واستمر معها القتال والمناوشات في منطقة الحدود بين الكوريتين.
نتائج الحرب
بلغ عدد القتلى أكثر من 5 ملايين، معظمهم من مدنيي الكوريتين، من بينهم نحو 40 ألف عسكري أميركي، فيما أصيب أكثر من مائة ألف عسكري أميركي.
ولم يتم التوصل إلى وقف للحرب، بل وقع المتحاربون على هدنة، في يوليو 1953، سمحت للأسرى الكوريين الشماليين والصينيين بالعودة إلى بلدانهم، كما منحت كوريا الجنوبية مساحة أراض إضافية، تبلغ مساحتها 1500 ميل مربع، قرب خط العرض 38.
ونصت الهدنة على تحديد "منطقة منزوعة السلاح"، يبلغ عرضها نحو ميلين، لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.