يعاني زوار القدس من حالات كثيرة تؤثر في نفسياتهم ومشاعرهم، وشاع الحديث في نهاية القرن الماضي عن حالة سميت "متلازمة القدس" مع كثرة انهيار الزائرين من خارج المدينة المقدسة وتحويلهم إلى عيادات الطب النفسي.
ونشر عدد من الأطباء الإسرائيليين مقالة في المجلة البريطانية للطب النفسي بشأن تلك الحالة استنادا إلى الحالات التي تابعوها على أكثر من 10 سنوات.
ومع زيادة الحالات النفسية لزوار القدس منذ عام 1980، قررت السلطات الإسرائيلية تحويل كل من يعاني منها إلى مركز واحد هو "مركز كفار شاؤول للصحة العقلية"، واستند الأطباء في دراساتهم على أكثر من ألف حالة في الفترة من 1980 إلى 1993.
وقسمت المقالة حالة متلازمة القدس إلى 3 أنواع رئيسية:
- تلازمها مع مرض نفسي سابق لدى الزائر.
- تلازمها مع مرض نفسي ومضاعفة أعراضه.
- حدوثها لدى أصحاء عاديين لم يعانوا من أي أمراض نفسية.
وفي الحالتين الأولين يكون الزائر مستعدا للانهيار النفسي مع زيارة الأماكن المقدسة وتتضاعف لديه أعراض حالاته النفسية السابقة.
وحتى من يعانون من مشاكل عائلية أو إدمان على المخدرات أو ما شابه من نواقص الصحة النفسية والعقلية يمكن إدراجهم في الفئتين الأولين.
وهؤلاء تظهر عليهم أعراض مختلفة تبدأ من العزلة والاضطراب النفسي إلى السلوكيات الغريبة والصراخ، أو حتى يعتبرون أنفسهم كأنهم شخصيات دينية من الكتاب المقدس عاشت في القدس في أزمنة غابرة، هذا بالإضافة إلى ظهور أعراض حالاتهم النفسية التي عانوا منها سابقا أو مضاعفاتها نتيجة متلازمة القدس.
وتبقى الحالة الثالثة جديرة بالاهتمام، وهي التي تصيب من لا يعانون من أي أمراض نفسية أو مشاكل، وتظهر على هؤلاء أعراض أقرب لأعراض الاكتئاب.
الدين والفن
وتشترك القدس مع أماكن مقدسة أخرى يصيب زوارها نوع من التغير النفسي، ليس بالضرورة حالة يمكن وصفها بأنها مرضية أو حتى "متلازمة"، لكن في حالة القدس يكون الأمر أشد.
وربما يعود ذلك إلى احتواء المدينة على الكثير من الرموز المقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، إضافة إلى المحطات التاريخية المؤثرة.
فالأمر يتعلق بأعراض نفسية وعصبية لدى زيارة الأماكن، ولا يقتصر على الدين فقط.
فقد حددت طبيبة سويسرية مطلع تسعينيات القرن الماضي متلازمة سمتها "متلازمة ستندال" لمن يزورون فلورنسا.
وتعود التسمية للكاتب الفرنسي، ستندال، الذي وصف حالة عصبية ونفسية لدى مشاهدته للأعمال الفنية الخالدة في مدينة فلورنسا الإيطالية.
العرب
اعتمدت كل تلك المقالات والدراسات على زوار المدينة المقدسة من الأجانب، سواء من أوروبا أو أميركا الشمالية أو غيرها.
إلا أن حالة أخرى من "متلازمة القدس"، ربما لا يذهب من يعانون منها إلى مركز "كفار شاؤول"، تصيب زوار المدينة المقدسة من غير هؤلاء السائحين.
وروى كثير من الفلسطينيين، الذين ولدوا وعاشوا خارج فلسطين، وزاروا القدس للمرة الأولى، كيف انهاروا نفسيا وانخرط بعضهم في البكاء لفترات طويلة وتطلب الأمر أياما قليلة ليستعيدوا أنفسهم.
وبعض العرب الذين زاروا القدس للمرة الأولى قد يفاجئون بالوضع هناك وكيف يختلف عن صورة المدينة المقدسة في الكتب والأفلام فيصابوا بدرجات متفاوت من الاكتئاب أو الانهيار النفسي.
إلا أن الأعراض تتشابه مع ما ذكره الأطباء الإسرائيليون في مقالتهم المنشورة في المجلة العلمية البريطانية، وأهمها الرغبة في المغادرة والانعزال عمن معهم إذا كانوا في مجموعة.