حس الفنان وذائقته الفنية ومهارته قادته إلى حقل إبداعي من قش، حقل لم يكن يوما ليكون خصبا لولا لمسات الفنان الفلسطيني حسام عابد، الذي طوع القش في حبكة فنية خلابة، فأطلق من عيدانه المتيبسة معاني جمالية شتى تتغنى بالحياة وبطقوسها.
ولادة هذه اللوحات الفنية الموشاة بعيدان قشح القمح، عملية إبداعية يتطلب مخاضها مكوث عيدان حسام عابد ساعات طوال على مكتبه يقطع ويلون أو يحرق ثم يلصق بالغراء تلك العيدان لترتدي حلة جمالية تحت عنوان لوحات متقنة تحتكم إلى أسلوب فني فريد من نوعه قوامه القش.
ونشأ عابد وترعرع وهو يرى والدته تبدع في هذا الحقل الفني وتمنح للقش معاني جمالية شدته مبكرا وجعلته يحاول أن يدخل هذه التجربة الفنية بحماسة أكبر وبحرص أكثر في المحافظة على هذا الفن الذي ضاق سيطه كثيرا في غزة، حيث أشار حسام أنه آخر فنان في غزة ما زال يمارس هذا الشكل التقليدي من الفن الذي يختفي تدريجيا.
لوحات جميلة بعضها يحاور جمالية الطبيعة والأخرى تنقل مشاهد من المعيش اليومي للناس، وتلك تحتضن آيات قرآنية وأدعية تسر إطلالتها الناظرين، وتنم عن دقة في العمل ومجهود كبير في إتمام ملامحها بكل إتقان، فكل قطعة من هذا الفن لابد أن تمر بعملية دقيقة وطويلة تبدأ بفصل عيدان قش القمح طوليا ثم تنظيفها وتقطيعها.
والجميل في عمل حسام الفني، أنه لا يخلو من وجود لمسات لونية خاصة تتطلب منه إضافة أصباغ للعيدان بطريقتين أولاهما غمسها في ألوان وثانيتهما حرقها للحصول على اللون الأسود. وحينها تصبح العيدان جاهزة للاصطفاف بالغراء من أجل تكوين الشكل الفني المطلوب.
ولأن القش مقترن بموسم حصاد القمح فان حسام يكون حريصا على ادخار ما تيسر منه والنهل من باقايا السنابل حتى يوفر خامته الفنية المفضلة لقوله "أجلب قش القمح في شهر مايو، لأنه لا يتوفر إلا في هذا الشهر، شهر حصاد القمح. وعلى مدار السنة لا يوجد قش القمح، لذلك أجلب ما تيسر منه أثناء موسم الحصاد وألونه"، لينبري في أعماله الفنية التي قد تطلب منه عدة أيام لاتمام اللوحة الواحدة.
مجهود إبداعي عادة ما يهديه عابد لأحبته، حيث يقدم عابد لوحات عيدان القمح كهدايا لأصدقائه وأقربائه، لكنه يأمل الآن في أن يتمكن من فتح صالة عرض لأعماله حيث أنتج عابد 120 لوحة فنية من عيدان قش القمح منذ عام 2007، ويسعى اليوم إلى المساعدة في إحياء ذلك الفن القديم الذي يقول إنه وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية التي تنجم عن قسوة الحياة في أوضاع مثل تلك التي يعيشها قطاع غزة.