ربما يحمل طلب الرشوة بشكل فج وصريح، حرجا كبيرا لمن يقوم بهذا الفعل المصنف في أعلى خانات الفساد، فضلا عن أن اللفظ نفسه يضع صاحبه عادة تحت طائلة القانون، وقد ينتهي به الأمر خلف القضبان.
لذلك يلجأ طالبو الرشوة في الغالب إلى الالتفاف والتحايل على هذا اللفظ، ويبحثون عن كلمات "أكثر تهذيبا وأقل إشعارا بالتحرج"، تخرج غالبا من أرشيف اللهجة العامية، وتعطي نفس المعنى المتعارف عليه للأموال المحرمة.
وفي البلاد العربية تنتشر مثل تلك المصطلحات بشكل واسع، وتختلف باختلاف اللهجات من بلد لآخر، لكنها تبقى "رمزا" يتفق عليه الجميع، ويسهل تفسيره على أنه طلب غير مباشر للرشوة.
ففي مصر على سبيل المثال ينتشر تعبير "فوت علينا بكرة"، وهي إشارة ضمنية إلى أن المصلحة التي تريد قضاءها لن تكتمل اليوم إلا إذا أخرجت من جيبك "ما فيه النصيب".
ومن المصطلحات الشائعة في مصر أيضا "الحلاوة" أو "الشاي" أو "الاصطباحة"، إذ غالبا ما تطلب الرشاوى في المعاملات أثناء الصباح.
ومن مشتقات "الحلاوة" يأتي "الحلوان"، وهو الكود الرسمي لطلب الرشاوى في سوريا، التي تستخدم فيها أيضا كلمة "برطلة" تركية الأصل، التي اتفق على أنها مطلب نقدي لتسهيل المعاملات.
أما في لبنان فإن "بل الريق" هو المصطلح الأكثر تداولا، عندما يطلب من المتعامل "إشباع ظمأ" طالب الرشوة للمال.
وتأخذ صيغة الرشوة في العراق مفردات شتى، فمن مصطلح "الريوق" الذي يعني الإفطار إلى "دهن الزردوم" أو "استكانة الشاي"، إلى مصطلحات أخرى تختلف باختلاف المناطق في العراق شمالا وجنوبا.
وفي السودان كثيرا ما يطلب من المتعامل "إكرامية"، في تهذيب وتلطيف لكلمة "الرشوة" سيئة السمعة.
ولا يختلف الأمر كثيرا في دول المغرب العربي، وإن كانت تونس الأكثر ثراء بتنوع المصطلحات التي يتم بها طلب الرشى.
فبدءا بـ"افرح بي" أي اسعدني بقدر من المال حتى أساعدك، مرورا بـ"أعطني عاشور" وهو طلب صريح لمبلغ قيمته 10 دنانير، حتى "أعطني بلقاسم" في إشارة إلى الورقة النقدية من فئة 30 دينارا التي تحمل صورة الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي.
وهناك اتفاق في المغرب والجزائر على أن الرشوة تعنى "القهيوة" في الأولى أو "حق القهوة" في الثانية، بينما قد يطلب المال في المغرب بكود "دبّر عليّ".