عندما تهطل الثلوج علينا لا تحدث فينا ،نحن البشر، نفس الوقع، ولا تحرك المشاعر ذاتها، فهي بالنسبة للبعض ملح يرش على جراحهم المحتقنة، وبالنسبة لآخرين بساط أحلام وإبداع وتألق.
يحل الشتاء، فيفكر فيه كل من منطلق واقعه، فبينما يحل عبئا ثقيلا في صدور تعي أنها لن ينالها من هذا الفصل سوى معاناة الجلد في العراء تحت سياط الثلوج وأنياب الصقيع التي تجتث إحساسهم بالدفء وتنهك أعصابهم المتراقصة على إيقاع صكيك أسنانهم وفرك أياديهم بحثا عن شيء من الدفء المفقود في ظل شح موارد التدفئة، ينظر له آخرون بفارغ الصبر للمتعة والاستمتاع بفنون السياحة الشتوية والعطل.
الوجه القاتم للثلوج يطل على أهل اللجوء أساسا في مخيماتهم وخيامهم الهزيلة التي عادة ما تنحني ظهورها الحدباء تحت عبء الثلوج، فتكاد تدفن المحتمين بها، فالثلج بالنسبة لهؤلاء المزروعين في الخلاء عقاب جماعي لا يقوى الكثير منهم على تحمله، وقد شهدنا في السنوات الماضية موت بعض الرضع بعد أن تجمدت الدماء في عروقهم من شدة البرد، وبالتالي فهو وضع صعب وقاس يجعل هؤلاء يرون في هذا البساط الأبيض مصدر قلق وتوتر وخوف مما هو آت.
فهطول الثلوج وتغطيتها لآفاق هؤلاء لا يعني لهم سوى البرد القارس وتجمد الأطراف وانقطاع السبل وشح التدفئة وتفاقم الحاجة والمناشدات التي يلبى بعضها وبعض الآخر يطوى في ملفات الانتظار، فهذا هو الثلج بالنسبة لمن فقدوا الوطن.
لكن الثلج، وعلى خلاف هؤلاء للثلوج ثغر باسم ووجه ناصع محبب يطل فرحة وإبداعا على أناس يكونون في تلهف لحلول موعد هطوله، فالثلج عيد لمن لا يرى من الندف البيضاء إلا الوجه الحسن والحافز للمتعة والتفنن.
ورجل الثلج ضيف محبب لدى جميع من بإمكانهم التجهز للشتاء بعدته الخاصة من لباس دافئ ومهيئ للعب والمتعة في الأجواء الباردة، وكرات الثلج سلاح الباحثين على المتعة في رحاب بساط قطني أبيض ينعش أرواح هؤلاء وهذا الوجه الجميل للثلج لا يراه البتة إلا من توفرت له إمكانيات جعلته يجد بسهولة هذه الملامح في محيا الثلوج.
وعلى ذكر الإبداع الثلجي، فقد بات العالم اليوم يحتفي في مواطن عدة بالثلوج ويعتبرها مشهدا فنيا لا مثيل له في الجمال والإبهار، فقد انطلق مؤخرا مهرجان هاربين الدولي للثلج والجليد بالصين ليشكل تظاهرة سنوية تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، ،حيث يسعى نحاتو الثلج من خلالها، إلى تحطيم أرقام قياسية عالمية.
وفي هذا المهرجان المبهر استخدم نحو 150 ألف متر مكعب من الثلج، و180 ألف متر مكعب من الجليد لبناء منحوتات ثلجية، وهو رقم عالمي جديد.
كما قام أكثر من 160 نحاتا بإنشاء قلعة ثلجية يصل طولها إلى 51 متراً، مستخدمين 35 ألف متر مكعب من الثلج، لتغطي مساحة 2800 متر مربع، وهي قلعة تتخطى الأرقام القياسية المسجلة.
وفي السياق ذاته افتتحت الحكومة السويدية مؤخرا فندقا جليديا يتكون من 5 آلاف طن من الثلج ويقع قرب نهر "تورن".
والفندق عبارة عن 19غرفة جميعها من الثلج، بالإضافة إلى وجود عدة منحوتات جليدية رائعة لجذب السائحين، وتم عمل عديد المنحوتات الفنية من الجليد مثل شكل للفيل وآخر للطاووس بالإضافة إلى عمل كبسولات استلهمت من سبعينيات القرن الماضي.
فهذا حال الثلج عبء مبرح ومنهك للبعض وعيد سنوي ترفيهي إبداعي للبعض الآخر، رغم أن الشتاء واحد والثلج واحد لكن العيون التي ترقب وتترقب الثلوج تعي حتما أن وقعه لكن يكون واحدا البتة.