منذ 500 عام لم تتوقف عن العطاء، ولم تمل الأيدي الممدودة إليها والأمعاء الخاوية التي تسأل مددها، إنها تكية "خاصكي سلطان" الواقعة بالحي الإسلامي في البلدة القديمة من القدس، قرب المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
حفرت قصة هذا المكان في ذاكرة الأيام، فنشأة هذا المَعلم تعود إلى سنوات بعيدة، وتحديدا بعدما انتصر العثمانيون على المماليك في معركة "مرج دابق" سنة 1511 ميلادية.
إثر تلك المعركة دخل السلطان سليم الأول بلاد الشام دون مقاومة تذكر، وكانت مدينة القدس من بين المدن التي دخلتها جيوشه، واتخذ هذا السلطان لقب خليفة المسلمين.
وعندما وافت المنية السلطان، عهدت الخلافة إلى ابنه السلطان سليمان الذي حمل لقب "سليمان القانوني"، وتمت في عهده الإنشاءات الكثيرة في حواضر العالم الإسلامي آنذاك في مكة والمدينة ودمشق وحلب والقاهرة وغيرها.
وبرز اهتمام سليمان القانوني بمدينة القدس لما لها من أهمية دينية عند المسلمين كافة.
وشاطرت السلطان سليمان في هذا الولع بمدينة القدس، زوجتة "روكسيلانة" التي قامت بإنشاء التكية المعروفة بتكية "خاصكي سلطان"، وقامت التكية بدورها الحضاري في إيواء طلاب العلم وتقديم وجبات الطعام للفقراء من مدينة القدس حتى أواخر العهد العثماني.
وكانت نفقات التكية تدفع في ذلك الوقت من ريع الأوقاف التي خصصتها روكسيلانة .
ومن الناحية التاريخية أطلقت الوثائق الشرعية على التكية اسم "العمارة العامرة"، وهي أكبر المنشآت الخيرية العثمانية في فلسطين، حيث كانت تقدم الطعام والشراب والسكن مجانا لعلماء القدس والفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل والمجاورين فيها.
وتؤكد تلك الوثائق أن زوجة السلطان سليمان القانوني، قامت عام 1552 ببناء تكية "خاصكي سلطان"، وأوقفت عليها عقارات كثيرة في مختلف مناطق بلاد الشام.
كما ألحق بالتكية مسجداً، أمرت "خاصكي سلطان"، وهو لقب زوجة السلطان القانوني، ببنائه في السنة نفسها.
ويذهب علماء التاريخ الإسلامي في القدس إلى أن التكية كانت مأوى للفقراء من الصالحين والمتصوفين، وكان الخبز والطعام يوزع فيها على معظم العائلات التي تعمل في خدمة المسجد الأقصى.
وفي شهر رمضان بالذات يظل لهذا المعلم التاريخي والحضاري حضور وعطاء خاصين حيث يتوافد الفقراء واليتامى والمساكين وعابري السبيل بكثافة للتزود بوجبات الإفطار.
وتمنح التكية للصائمين ما يزيد على ألف وجبة حسب مديرية أوقاف القدس، حيث توزع على الصائمين القادمين إلى الأقصى والمحتاجين من أبناء البلدة القديمة بالقدس الذين يعانون صعوبات الحياة، خاصة من عاد منهم إلى المدينة المقدسة لتثبيت تواجده بها بعدما بني الجدار العازل حول القدس.