لكل منطقة داخل المملكة المغربية خصوصيتها في المأكل والمشرب وحتى في الملبس، والاختلاف هو الذي يميز كل جهة عن الأخرى.
ففي المنطقة الجنوبية، مثلاً، عدة خصوصيات تغطي مناحي الحياة كلها بما فيها جانب اللباس، إذ تعد "الملحفة" الخاصة بالنساء و"الدراعة" بالنسبة للرجال، من الألبسة التقليدية التي يزخر بها المغرب عموماً، والمنطقة الصحراوية على وجه الخصوص.
والمجتمع الصحراوي لا يمكنه أن يتخلى عن هذا الزي التقليدي الذي اشتهر به لعدة عقود من الزمن وهو اللباس الذي يشبه ما هو متداول في عدد من الدول الإفريقية مثل موريتانيا والسودان وغيرهما.
أما في ما يتعلق بالنساء، فهناك حرص كبير على الالتزام بـ"الملحفة" كقيمة من القيم التي تتشبث بها بنات المنطقة الجنوبية الصحراوية، وهي رمز من رموز الثقافة التي توارثها الصحراويون جيلاً عن جيل على مدى قرون من الزمن.
وإلى جانب أنها شكل من أشكال اللباس، فإن "الملحفة" تعد رمزاً من رموز الجمال والأناقة الأنثوية للمرأة الصحراوية أياً كان انتماؤها القروي أو الحضري أو مستواها التعليمي ومكانتها الاجتماعية.
والملحفة حاضرة بين نساء الصحراء بمختلف الأعمار والانتماءات الطبقية، غير أن هناك تمايزاً داخل صفوف الصحراويات بين من تتشبث بارتدائها، وبين من تتنازل بين الفينة والأخرى، ولا تجد بأساً في اللجوء إلى اللباس العصري أو إلى الجلباب، إلى جانب حرصها على "الملحفة" في أغلب الأحيان.
والملحفة عبارة عن قطعة ثوب طولها نحو 4 أمتار، وهي ملونة بألوان مزركشة وترتديها المرأة في مختلف فصول السنة.
الطالبة الباحثة في كلية الحقوق بسلا شعبة العلوم السياسية بشرى عبد الدائم، والبالغة من العمر 26 سنة، هي من الفتيات التي لا تجد حرجاً في ارتداء ملحفتها خلال حصص الدراسة وعند الذهاب إلى المكتبات أو لحضور ندوات وطنية.
تقول بشرى، التي تنتمي لمنطقة أسا زاك جنوبي المغرب، إنها كأي فتاة تنتمي إلى المنطقة الجنوبية الصحراوية تعتبر "الملحفة" من الضروريات الأساسية في حياتها اليومية، "إضافة إلى كونها زي تقليدي صحراوي، فهي تناسب جميع النساء"، منوهة إلى أن "الملحفة تبقى بمثابة الزي الصالح لجميع المناسبات".
لكن بشرى ترتدي، بين الفينة والأخرى بحكم سنها، اللباس العصري، وغالباً في فصل الشتاء ومع سقوط الأمطار عندما تكون متوجهة من حي الطالبات حيث تقطن في الرباط للتوجه إلى الكلية في مدينة سلا، القريبة من العاصمة.
أما فاطمة الغالية، السياسية والناشطة التي تنتمي إلى مدينة العيون جنوبي المغرب، فهي من زمرة باقي النساء الصحراويات اللواتي لم يسبق أن تخلين عن ارتداء "الملحفة"، فتجدها كذلك في الاجتماعات السياسية التي تحضرها وداخل البرلمان عندما كانت ممثلة في الغرفة الأولى وفي غيرها من المحافل والمناسبات الرسمية وغير الرسمية.
ولا تخفي فاطمة حبها للملحفة، مشيرة إلى أنه شعور لا تخفيه إذ تعتبر أن ارتدائها للملحفة "اعتزاز بانتمائي للمنطقة الصحراوية الحبلى بالتاريخ المجيد للمملكة الشريفة"، ويمثل "أصالة المرأة الصحراوية".
ولفاطمة الغالية أنواع من الملحفات ترتديها حسب المناسبات والأعياد، فملحفة الأعراس تختلف عن ملحفة العمل اليومي أو تلك المخصصة لحضور نشاط حزبي أو غيرها من الأنشطة، كما أن ملحفة الصيف تختلف عن ملحفة الشتاء.
أما ثمن "الملحفة" فيتباين حسب أنواعها وجودة ثوبها، وعملياً، وحسب ما هو متعارف عليه بين النساء الصحراويات اللواتي يرتدين الملحفة، فإن هناك أنواعاً كثيرة تتجاوز العشرين نوعاً، لكن يمكن إجمالها في ملحفات منخفضة الثمن مثل "ملحفة كاز" التي يتراوح ثمنها بين 50 و150 درهماً، و"ملحفة كنيبة" التي يمكن أن يصل ثمنها إلى نحو 300 درهم.
أما "ملحفة بيرسي" فيقدر ثمنها بين 250 و300 درهم، إلى جانب ملحفات ذات جودة عالية يمكن أن يتعدى ثمنها 40 ألف درهم، وهي مستوردة من من الإمارات العربية المتحدة أو من موريتانيا أو من الهند.
وبالنسبة إلى ملحفات المناسبات، فهي عديدة لكن أشهرها "ملحفة الشكة" التي تتميز بثوبها الرقيق و"ملحفة الصواري" و"ملحفة القصيري" ذات الجودة العالية فيبدأ ثمنها من مبلغ 500 درهم، ويمكن أن يصل إلى 1000 درهم.
وقد يتعدى سعر هذه الملحفات مبلغ 5000 درهم، إذا كانت محاكة من مادة الحرير الخالص، وتحرص النساء الصحراويات المنتميات إلى عائلات برجوازية على التألق في المناسبات (الأعراس والسهرات) بارتداء ملحفات من المستوى الجيد، لكن ثمة أنواع أملتها الموضة كملاحف "حريم السلطان" و"ملاحف الملكة" وغيرها.
ومن بين تقاليد سكان الصحراء، وبالتحديد النساء، الاعتناء بالبشرة وبالجمال، إذ تخصص ملحفات تسمى "ملحفة النيلة"، وهي التي تستعمل خصيصاً للوقاية من أشعة الشمس لأنها تطلق لوناً أزرق داكناً على الجسم، الغرض منه تفتيح البشرة، وتلجأ النساء الصحراويات إلى هذه الملحفة بين الفينة والأخرى حفاظاً على جمال البشرة.
عموماً، يمكن القول إن المرأة الصحراوية تحرص كل الحرص على أن تظل وفية لملحفتها الجميلة والبسيطة، لأنها لا تخضع لخياطة بل فقط يُقتصر على وضع عقدتين في الأعلى تمكن صاحبتها من إخراج رأسها ولف يديها؛ كما أن الملحفة ليست مجرد قطعة قماش بألوانها الأنثوية، بقدر ما أنها ترمز إلى نوع من السمو والحشمة التي تعرف بها المرأة الصحراوية.