"هناك فرحة في لمس غلاف جميل وأنا أحب وأحترم الأغلفة الأنيقة"، يقول سمير شكري عبده وهو يلمس بفخر الغلاف الفريد من نوعه الذي أشرف على تنفيذه.
غلاف جلدي من 6 ألوان يغلب عليها الأزرق بدرجاته، جزء منه منقوش عليه رسومات هندسية وجزؤه الأعلى عليه زخارف نباتية إسلامية من الفن الإسلامي تتوسطه أيقونة على شكل حمامة سلام مشرعة جناحيها مكسوة بذهب عيار 24 بينما استبدلت مفاصل الغلاف بحمامات سلام صغيرة بارزة مكسوة بالذهب هي الأخرى.
يحكي عبده، خبير التجليد بدار البارودي للنشر ببيروت، لسكاي نيوز عربية عن حبه لهذه المهنة التي ورثها عن أبيه الذي أرسله إلى باريس لصقل موهبته فتخرج من كلية الفنون الجميلة الفرنسية بدرجة خبير في فن التجليد.
"أعمل في هذا المجال منذ 49 سنة أي منذ أن كنت في العشرين من عمري. أبي علمني هذا الفن وأحد أبنائي الثلاثة اختار أن يتبع خطاي".
يمسك بمربعات الجلد الطبيعي في يد والصناعي في الأخرى ويؤكد أنه "مهما أتقن التقليد يبقى ملمس ورائحة وتفاعل الجلد الطبيعي أجمل بمراحل".
عبده وزملاؤه حضروا إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب ونقلوا معهم معملا كاملا للتجليد بأدواته وآلاته ليشركوا الزوار في فنهم.
يمسك طلال هاشم بملازم الأوراق ويضعها بين لوحين سميكين من الخشب وبواسطة منشار يضع علامات أفقية على الجزء المقفول من الملازم ثم يسلمها إلى زميلته آمال فخري لتضعها على آلة "المخيط" لتخيطهم ببعضهم البعض بإبرة حياكة وخيط.
"ندخل الإبرة والخيط عند العلامات التي صنعناها بالمنشار ونعقد الخيط في كل موضع لتثبيت الأوراق سويا"، كما تشرح أمال المختصة بالتجليد الفني.
يلتقط هاشم المقبض الخشبي لآلة الحفر التي تنتهي بشكل صغير من النحاس المحفور على شكل وردة ويقوم بتسخينه على نار موقد غاز صغير ثم يضع رقاقة معدنية ذهبية اللون على قطعة جلد سوداء ويطبع فوقها بالنقشة الساخنة فتحفر وردة ذهبية صغيرة على الرقعة الجلدية.
يعيد الكرة مرات ومرات دون كلل أو ملل منوعا في الأشكال وفي الحروف المكونة لاسم الكتاب ومؤلفه حتى يغطي جزءا من الرقعة التي ستصبح غلافا أشبه بلوحة فنية.
"الكتاب يأتي من المطبعة للتجليد فيذهب إلى المعمل حتى يخاط ثم تأتي مرحلة الشغلات الزخرفية"، حسب هاشم الذي يعمل مديرا للإنتاج بالدار.
"نستخدم اوراق الذهب والفضة وتشكيلة لا تحصى من الأشكال والمنمنمات التي نولف بينها وبين بعض بتناسق وتناغم كما يجب أن تكون الزخرفة الخارجية لقميص الكتاب متناسقة مع داخله"، حسب هاشم.
ويرى أن "كل شيء مصنوع ميكانيكيا أوتوماتيكيا يفتقر للمذاق".
"الإحساس بالكتاب القديم إحساس رائع. تأتينا كتب مهلهلة فنقوم بترميمها وإعادة تسويتها ولكن ممنوع منعا باتا في حالة الكتب الأثرية قص أو إزالة أي جزء حتى وان كان بالغ الصغر لأن قيمة كل ملليمتر من الورقة القديمة لا تقدر بثمن وتعتبر جزءا من التراث"، كما يشدد هاشم.
تقول فخري إن أفضلية الألوان تختلف من بلد إلى آخر.
"في دول الخليج اللون الأكثر طلبا هو الزيتي الغامق والنبيذي والأسود، وفي السعودية على الأخص يكثر الطلب على اللون الأخضر وفي باريس الألوان الفاتحة الهادئة كلون الجلد الطبيعي، أما في لبنان فيحبون كل الألوان".
"على الرغم من إتقان الفرنسيين لهذا الفن فإنهم يرسلون إلينا كتبا من باريس لنقوم بتجليدها في معاملنا"، حسب آمال.
يقول عبده إن "سعر تغليف كتاب واحد يبدأ من 50 دولار ويصل حتى 300 وفي فرنسا يصل في بعض الأحيان إلى 12 ألف يورو".
"السعر يعتمد على ساعات العمل والزخرفة والرسومات وعلى الجلد وأغلى أنواعه المغربي وهناك أنواع من الورق من أغلى ما يمكن"، كما يشرح الخبير.
لا يحب العاملون في هذا المجال الكتب الإلكترونية الرائجة حاليا.
يقول عبده إن "مصير الكتاب المجلد سيكون مثل مصير الحصان. في الماضي كان الحصان دارجا ويستخدم في كل الأغراض الفروسية والنقل والتنقل وكان شيئا عاديا، أما الأن فأصبح من المقتنيات الثمينة والحصان الفريد يدخل المسابقات ويبلغ ثمنه ملايين الدولارات".
"هكذا سيكون مستقبل الكتاب، سيكون أثمن بمرور الزمان وكلما كان تجليده أفخم وأجمل كلما ارتفعت قيمته".