لم يكن المشهد الفني في السودان هو نفسه المعتاد في مثل هذا التوقيت، فمع قرب حلول شهر رمضان تغيب ملامح الإنتاج الدرامي والترويج للأعمال الجديدة كأبرز الطقوس المعهودة لاستقبال الشهر المعظم.
وعوضا عن الإبداع الموسمي، تغطي نيران الحرب الضارية الفضاء السوداني حاليا، بينما تتقطع السبل بالدراميين والمبدعين بين نازحين داخل البلاد وخارجها، وهم يعانون شظف العيش كسائر السودانيين.
وحتى اللحظة، تم الترويج لمسلسل رمضاني واحدة فقط في السودان، ربما يتم بثه على المنصات الرقمية في غياب القنوات التلفزيونية التي توقف غالبتها عن العمل بسبب الحرب.
ويعد ذلك بحسب مهتمين، تراجعا كبيرا في السينما والدراما السودانية التي شهدت انتعاشا غير مسبوق خلال الثلاث سنوات الماضية، ففي رمضان الماضي تم إنتاج وبث أكثر 9 مسلسلات، حظيت بتفاعل جماهيري واسع.
وإلى جانب متعة المشاهدة، فإن الدراما الرمضانية تمثل موسما خصبا للدراميين السودانيين لكسب مبالغ مالية تكفي حاجتهم لمتبقي العام، الشيء الذي يفاقم محنة الحرب على المبدعين.
فشل حتمي
وترى الفنانة السودانية أمنية فتحي أن موسم الدراما الرمضانية يواجه مصير الفشل الحتمي في البلاد، ويرجع السبب إلى عدم وجود منصات إعلامية تستقبل الأعمال الدرامية وتبثها مثلما كان في السابق، فليس من المنطقي أن تُنتج أعمال من دون توفير منصات عرض ومشاهدة.
وتشير فتحي في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن شركات الإنتاج والرعاية التي تقوم عليها الدراما الرمضانية شبه منعدمة، حتى المشاهد نفسه غير مهيئ لاستقبال ومتابعة هذه الأعمال، إذ أصبح الهم الأكبر الوضع الراهن في البلاد، وماذا سيحدث في الغد ومحاولة توفيق الأوضاع، خاصة أن أغلب العائلات في المناطق الآمنة فتحت منازلها لإيواء النازحين.
وتندد أمنية بالوضع المؤسف للدراميين كحال كل مواطني السودان الذين هجروا ديارهم قسرا بحثا عن ملجأ آمن، إذا كان داخل البلاد أو خارجها، لكنها تنبه في الوقت ذاته إلى أن "الفنان بطبعه قادر على خلق الحياة في أي مكان واستخدام أبسط الموارد لصناعة المتعة".
وتقول: "ربما تحتجب الدراما الرمضانية، لكن الإبداع سيبقى ما بقي الفنان، فالدرامي قادر على تخطي المصاعب وفتح أبواب جديدة في أي مكان، والدليل أن الدراميين حاليا يوظفون الدراما في مجال الدعم النفسي وبث الأمل وخلق مساحات صديقة وآمنة للناجين من الحرب".
وشهدت السينما في السودان انفتاحا كبيرا عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بعد انتهاء عهد الرقابة الأمنية على مختلف أنواع الفنون، إذ جرى إنتاج عشرات الأعمال من أفلام ومسلسلات فاز بعضها بجوائز عالمية، مثل الفيلم الروائي "ستموت في العشرين"، و"وداعا جوليا"، وغيرهما.
لكن الحرب المحتدمة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، ألقت ظلالها على المشهد الفني في السودان، إذ يعيش معظم الممثلين والمبدعين في مخيمات إيواء في الولايات الآمنة تحت ظروف إنسانية سيئة، يستعصي معها الإبداع.
ويقول الممثل السوداني عوض شكسبير إن "الدراميين مشردون بين نازح ولاجئ، يعانون شظف العيش نتيجة لعدم وجود فرص عمل، فهم لديهم مهنة واحدة ومحددة تحتاج إلى السلام والاستقرار".
ويضيف شكسبير في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "بالطبع تتقطع السبل بالدراميين بين نازح في وطنه ولاجئ في الخارج، لكن ما يزال في مخيلتهم أفكار وقصص تشكلت لهم من واقع الحرب وما يتخلله من تشريد وهي في انتظار حلول السلام لإخراجها الى أعمال إبداعية".
ولم ينقطع حلم الدراميين السودانيين وأملهم في العودة إلى ديارهم بتوقف الحرب واستئناف عملهم والتوثيق لكل الذي حدث، وفق شكسبير.
وتابع: "شهر رمضان يعتبر موسما للدراميين بكل تخصصاتهم من مسلسلات وليال رمضانية وسهرات، لكن للأسف يأتي هذه المرة وبلادنا تعاني ويلات حرب، لذلك سوف يمر هذا الشهر من دون الدراما التي اعتادها السودانيون وتعبر عنهم".
دمار واسع
تسببت الحرب في تدمير المسارح ودور العرض السينمائي في الخرطوم، بينما أغلق العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية التي كانت تهتم ببث الدراما والأنشطة الرمضانية المختلفة.
ويرى الكاتب والمخرج المسرحي ربيع يوسف الحسن، أنه "رغم الظروف التي مر بها الدراميين كسائر السودانيين، ثبت أن رغبتهم وقدرتهم على الإنتاج خاصة على المستوى المسرحي لم تقل خلال فترة الحرب بل زادت، حيث أنتجوا اعمالا مشتركة لا سيما في دور إيواء النازحين بالولايات".
لكن الحسن الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية"، توقع حدوث تراجع في الإنتاج الدرامي المرتبط بالقنوات التلفزيونية نتيجة للأولويات الحربية للأجهزة الإعلامية ففي غالبها أجهزة رسمية لن نهتم بإنتاج درامي في هذا التوقيت.
وفي المقابل، يتوقع الحسن وجودا دراميا على المنصات خاصة "يوتيوب" من خلال أعمال قصيرة أو طويلة نسبيا، حيث ثبت من خلال التجربة في السنوات القليلة الماضية قدرة الدراميين ونجاحهم في الإنتاج والبث عبر الإنترنت.
ويختم حديثه قائلا إن "الإنتاج والبث عبر المنصات الرقمية سيلقي بظلال سلبية على المستوى الاقتصادي والمهني والاجتماعي على الدراميين، الذين كان رمضان يشكل فرصة لهم لكسب مبالغ مالية مقدرة، وينبغي أن تعمل منظمات المجتمع المدني على توظيف الدراما لمعالجة العديد من القضايا، وذلك من شأنه توفير مصدر دخل بديل لبعض المبدعين".