يحيي التونسيون عيد الفطر بكثير من العادات و التقاليد، منها ما هو متداول بين كل الدول العربية، مثل صنع الحلويات وشراء الملابس الجديدة والتزاور لتبادل التهاني، ومنها ما هو أكثر خصوصية، مثل عادة "حق الملح"، التي تتمسك بها النساء والفتيات لأنها تعبر عن الثناء على جهودهن في الطبخ و إعداد موائد الإفطار طيلة شهر رمضان.
ما هي "حق الملح"؟
- عادة قديمة في تونس وبعض دول المغرب العربي.
- يرتبط أصل التسمية باضطرار الزوجة أحيانا عند إعدادها الطعام لأسرتها خلال شهر رمضان، إلى تذوق الأكل دون ابتلاعه، للتأكد من اعتدال ملوحته قبل تقديمه.
- تتمثل العادة في تقديم هدية قيمة للمرأة التي أطعمت العائلة في شهر الصيام، وتكون غالبا قطعة من الذهب يهديها رب الأسرة لها صباح العيد.
- تقتضي العادات أن تقدم الزوجة طبق الحلويات وفنجان القهوة لرب الأسرة بعد عودته من صلاة العيد، على ألا يرجعه فارغا، بل يضع فيه خاتما أو سوارا أو مبلغا من النقود، هدية منه للزوجة أو الأم التي أطعمت العائلة في الشهر الكريم.
أصل الحكاية
وتحدث "الحكواتي" المتخصص في التاريخ، سعيد مرموش، لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن أصل قصة "حق الملح"، قائلا:
- "تعود العادة للعثمانيين، حيث يُروى أن تاجرا ثريا كان جالسا مع عائلته صباح العيد يوزع ما تسمى (مهبة العيد)، وهي دراهم من الفضة والذهب على أطفاله، حتى سقطت قطعة منها في فنجان القهوة، فقالت الزوجة هذا نصيبي، من باب المزاح".
- "عند غسلها للفنجان، وجدت الزوجة أن القطعة النقدية صغيرة جدا، فعادت إليه محتجة بالقول (هذا المبلغ لا يساوي حتى حق الملح) الذي تذوقته، أي ثمنه، فعوضها الزوج بدينار من الذهب".
- "بعدها ذهبت الزوجة وأخبرت جاراتها بعبارة (انظرن ثمن تذوق الملح)، ومنذ ذلك الحين أصبحت الهدية للزوجة صباح العيد عادة متوارثة".
وأشار مرموش إلى أن العادة التي تعرف بـ"حق الملح" في تونس، متواجدة في ليبيا باسم "الكبيرة"، وفي المغرب "التكبيرة"، وفي الجزائر "حق الطعام"، وتعد حركة تعبيرية عن الحب و المودة.
وتابع: "في القديم، كانت النساء يطبخن الطعام في ظروف أصعب، إذ لم يكن هناك فرن و لا مخابز و لا مطاعم، والعائلة كانت ممتدة، مما يضطر المرأة لقضاء ساعات شاقة من أجل إعداد وجبة الإفطار".
"حق الملح" بعيون تونسيات وتونسيون
وتحدث موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى عدد من التونسيات والتونسيين، للوقوف على آرائهم في مثل هذه الطقوس المتوارثة حتى اليوم.
- صابرين (35 عاما): "يحرص زوجي كل عام على المحافظة على العادة التي توارثناه على الأجداد، بإهدائي صباح العيد كنوع من الشكر على تعب رمضان".
- صابرين: "في بداية زواجنا كان يقدم لي قطعة من المصوغات، لكن مع صعوبة ظروف الحياة اليوم يكتفي بقطعة من الملابس أو باقة ورد أو عطر، و أحيانا دعوة على العشاء خارج المنزل مع الأطفال، حفاظا على العادة و اعترافا بتعبي في شهر الصيام".
- سهيل (40 سنة) قال: "لم تعد العادة ممكنة، فالوقت تغير ورب الأسرة يعمل على تلبية الكثير من المطالب لأسرته في العيد، أهمها الملابس الجديدة والحلويات ومصاريف ألعاب الأطفال، لذا يصعب الحفاظ على (حق الملح) في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
- يمينة (60 سنة): "أولادي اليوم عوضوني بتقديم الهدايا صبيحة العيد وقطع المصوغات، منذ أن حصلوا على وظائف، أما زوجي فطيلة 40 سنة من الزواج، لم يكن يلتزم بحق الملح إذ كانت ظروفنا صعبة".
- منصف (55 عاما): "أحب أن أراها تفرح بهديتي، حتى إن لم تكن دائما ثمينة، إذ تعبت من أجلنا في رمضان، فرغم أنها تقضي نصف ساعات اليوم في العمل مثلي، تلتزم بإعداد ما لذ وطاب يوميا دون تذمر، ومن حقها أن نشكرها ونعترف بالجميل".
ورغم تراجع ممارسة بعض العادات والتقاليد الاحتفالية في تونس واقترابها من الاندثار، تبدو عادة "حق الملح" صامدة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، بل أخذت أشكالا أكثر معاصرة، وتحولت من الذهب والفضة إلى هدايا عصرية متنوعة حسب وضع الأسرة الاقتصادية.
ماذا يقول خبراء؟
وتعليقا على هذه العادة المتوارثة، قالت الدكتورة في علم اجتماع التغذية، سنية مليح، لموقع "سكاي نيوز عربية":
- "العادة تعيش، لأن النساء والرجال على حد سواء يستلطفونها، فالمقصود بها الشكر بطريقة لطيفة".
- "كانت العادة موجودة منذ قديم الزمان، عندما كانت النساء يطبخن الطعام بكميات كبيرة لعائلة كبيرة العدد، ويتذوقن ملح الطعام على أطراف اللسان، وهذه مهارة محفوفة بمخاطر خسران الصيام، لذا تستحق التثمين".
- "لكن يبقى الأهم من خلال الحفاظ على هذا الموروث، هو رمزية العادة ودورها في التعبير عن الامتنان لجهود المرأة".